الزكاة
( 1 ) تعريفها : الزكاة اسم لما يخرجه الانسان من حق الله تعالى إلى الفقراء . وسميت زكاة لما يكون فيها من رجاء البركة ، وتزكية النفس وتنميتها بالخيرات . فإنها مأخوذة من الزكاة ، وهو النماء والطهارة والبركة . قال الله تعالى : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) ( 1 ) . وهي أحد أركان الاسلام الخمسة ، وقرنت بالصلاة في اثنتين وثمانين آية . وقد فرضها الله تعالى بكتابه ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإجماع أمته .
1 – روى الجماعة عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن ( 2 ) قال : ( إنك تأتي قوما أهل كتاب ، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإن هم أطاعوا لذلك ، فأعلمهم أن الله عزوجل افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله تعالى افترض عليهم صدقة في أموالهم ، تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم ( 3 ) أموالهم ، واتق دعوة المظلوم ، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ) .
2 – وروى الطبراني في الاوسط والصغير ، عن علي كرم الله وجهه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم ، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا أو عروا
( 1 ) سورة التوبة . ( 2 ) أي واليا وقاضيا سنة عشر من الهجرة . ( 3 ) ( كرائم ) نفائس .
إلا بما يصنع أغنياؤهم ( 1 ) ، ألا وإن الله يحاسبهم حسابا شديدا ، ويعذبهم عذابا أليما ) قال الطبراني : تفرد به ثابت بن محمد الزاهد . قال الحافظ : وثابت : ثقة صدوق . روى عنه البخاري وغيره ، وبقية رواته لا بأس بهم . وكانت فريضة الزكاة بمكة في أول الاسلام مطلقة ، لم يحدد فيها المال الذي تجب فيه ، ولا مقدار ما ينفق منه ، وإنما ترك ذلك لشعور المسلمين وكرمهم . وفي السنة الثانية من الهجرة – على المشهور – فرض مقدارها من كل نوع من أنواع المال ، وبينت بيانا مفصلا .
1 – قال الله تعالى : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) . أي خذ – أيها الرسول – من أموال المؤمنين صدقة معينة كالزكاة المفروضة ، أو غير معينة ، وهي التطوع ( تطهرهم وتزكيهم بها ) أي تطهرهم بها من دنس البخل والطمع ، والدناءة والقسوة على الفقراء والبائسين ، وما يتصل بذلك من الرذائل ، وتزكي أنفسهم بها . أي تنميها وترفعها بالخيرات والبركات الخلقية والعملية ، حتى تكون بها أهلا للسعادة الدنيوية والاخروية .
2 – وقال الله تعالى : ( إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين ، كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ، وبالاسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ) . جعل الله أخص صفات الابرار الاحسان ، وأن مظهر إحسانهم يتجلى في القيام من الليل ، والاستغفار في السحر تعبدا لله وتقربا إليه . كما يتجلى في إعطاء الفقير حقه ، رحمة وحنوا عليه .
3 – وقال الله تعالى : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض
( هامش ) ( 1 ) أي إن الجهد والمشقة من الجوع والعري لا يصيب الفقراء إلا ببخل الاغنياء .
يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله ) . أي إن الجماعة التي يباركها الله ويشملها برحمته ، هي الجماعة التي تؤمن بالله ، ويتولى بعضها بعضا بالنصر والحب ، وتأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر ، وتصل ما بينها وبين الله بالصلاة ، وتقوي صلاتها ببعضها ، بإيتاء الزكاة . 4 – وقال الله تعالى : ( الذين إن مكناهم في الارض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور ) . جعل الله إيتاء الزكاة غاية من غايات التمكين في الارض .
1 – وروى الترمذي عن أبي كبشة الانماري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه : ما نقص مال من صدقة ، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزا ، ولا فتح عبد باب مسألة ، إلا فتح الله عليه باب فقر ) .
2 – وروى أحمد والترمذي ، وصححه ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله عزوجل يقبل الصدقات ويأخذها بيمينه فيربيها لاحدكم كما يربي أحدكم مهرة أو فلوه ، أو فصيله ( 1 ) حتى أن اللقمة لتصير مثل جبل أحد ) . قال وكيع : وتصديق ذلك في كتاب الله قوله : ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات ) . ( يمحق الله الربا ويربي الصدقات ) .
3 – وروى أحمد – بسند صحيح – عن أنس رضي الله عنه قال : أتى رجل من تميم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله : إني ذو مال كثير ، وذو أهل ومال وحاضرة ( 2 ) . فأخبرني كيف أصنع وكيف أنفق ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تخرج الزكاة من مالك فإنها طهرة تطهرك ، وتصل أقرباءك وتعرف حق المسكين والجار والسائل ) .
( 1 ) ( المهر والفلو والفصيل ) : ولد الفرس . ( 2 ) الجماعة تنزل عنده للضيافة . ( . ) / صفحة 330 /
4 – وروى أيضا عن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاث أحلف عليهن ، لا يجعل الله من له سهم في الاسلام كمن لا سهم له ، وأسهم الاسلام ثلاثة : الصلاة ، والصوم ، والزكاة ، ولا يتولى الله عبدا في الدنيا فيوليه غيره يوم القيامة ، ولا يحب رجل قوما إلا جعله الله معهم . والرابعة لو حلفت عليها رجوت أن لا آثم لا يستر الله عبدا في الدنيا إلا ستره يوم القيامة ) .
5 – وروى الطبراني في الاوسط ، عن جابر رضي الله عنه قال ، قال رجل يا رسول الله : أرأيت إن أدى الرجل زكاة ماله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أدى زكاة ماله ذهب عنه شره ) .
6 – وروى البخاري ، ومسلم عن جابر بن عبد الله قال : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والنصح لكل مسلم .
( 3 ) الترهيب من منعها :
1 – قال الله تعالى : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) .
2 – وقال : ( لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ( 1 ) ما بخلوا به يوم القيامة ) .
1 – وروى أحمد والشيخان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من صاحب كنز ( 2 ) لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم فيجعل صفائح فتكوى بها جنباه وجبهته حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، ثم يرى سبيله ،
( 1 ) يجعل ما بخلوا به من مال طوقا من نار في أعناقهم . ( 2 ) ( الكنز ) مال وجبت فيه الزكاة فلم تؤد ، وأما ما أخرجت زكاته فليس بكنز مهما كثر
إما إلى الجنة ، وإما إلى النار ، وما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا بطح ( 1 ) لها بقاع قرقر ( 2 ) كأوفر ( 3 ) ما كانت ، تسنن ( 4 ) عليه ، كلما مضى ( 5 ) عليه أخراها ردت عليه أولاها ، حتى يحكم الله بين عباده ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ، وما من صاحب غنم لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها بقاع قرقر كأوفر ما كانت فتطؤه بأظلافها ( 6 ) ، وتنطحه بقرونها ليس فيها عقصاء ( 7 ) ولا جلحاء ( 8 ) ، كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها ، حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ، ثم يرى سبيله ، إما إلى الجنة ، وإما إلى النار . ) قالوا : فالخيل يا رسول الله ؟ قال : ( الخيل في نواصيها ) ، أو قال : ( الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ، الخيل ثلاثة : هي لرجل أجر ، ولرجل ستر ، ولرجل وزر ، فأما التي هي له أجر فالرجل يتخذها في سبيل الله ويعدها له فلا تغيب شيئا في بطونها إلا كتب الله له أجرا ، ولو رعاها في مرج ( 9 ) فما أكلت من شئ إلا كتب الله له بها أجرا ، ولو سقاها من نهر كان له بكل قطرة تغيبها في بطونها أجر ، حتى ذكر الاجر في أبوالها وأرواثها ولو استنت شرفا ( 10 ) أو شرفين كتب له بكل خطوة يخطوها أجر . وأما التي هي له ستر ، فالرجل يتخذها تكرما وتجملا ، لا ينسى حتى ظهورها وبطونها في عسرها ويسرها . وأما التي هي عليه وزر ، فالذي يتخذها أشرا ( 11 ) وبطرا ( 12 ) وبذخا ( 13 ) ، ورياء الناس فذلك الذي عليه الوزر ) قالوا : فالخمر يا رسول الله ؟ قال : ( ما أنزل الله علي فيها شيئا إلا هذه الاية الجامعة ( 14 ) الفاذة ( 15 ) : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) . ) ( 1 ) ( بطح ) أي بسط ومد . ( 2 ) ( القرقر ) المستوي الواسع من الارض . ( 3 ) كأوفر الخ ) أي كأعظم ما كانت . ( 4 ) ( تستن ) أي تجري . ( 5 ) ( مضى ) أي مر . ( 6 ) الظلف للغنم كالحافر للفرس . ( 7 ) ( عقصاء ) أي ملتوية القرنين . ( 8 ) ( جلحاء ) أي التي لا قرن لها . ( 9 ) ( المرج ) أي المرعى . ( 10 ) ( الشرف ) أي العالي من الارض . ( 11 ) ( الاشر ) أي البطر . ( 12 ) ( البطر ) شدة المرح . ( 13 ) ( وبذخا ) أي تكبرا . ( 14 ) ( الجامعة ) أي المتناولة لكل خير وبر . ( 15 ) ( الفاذة ) أي القليلة النظير . ( . ) / صفحة 332 /
2 – وروى الشيخان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له ( 1 ) يوم القيامة شجاعا أقرع ( 2 ) له زبيبتان ( 3 ) يطوقه يوم القيامة ، ثم يأخذ بلهزمتيه – يعني شدقيه – ثم يقول : أنا كنزك ، أنا مالك ) . ثم تلا هذه الاية : ( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله الاية . )
3 – وروى ابن ماجه ، والبزار ، والبيهقي – واللفظ له – عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يا معشر المهاجرين خصال خمس – إن ابتليتم بهن ونزلن بكم أعوذ بالله أن تدركوهن – : لم تظهر الفاحشة ( 4 ) في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الاوجاع ( 5 ) التي لم تكن في أسلافهم ، ولم ينقصوا المكيال والميزان ، إلا أخذوا بالسنين ( 6 ) وشدة المؤنة وجور السلطان . ولم يمنعوا زكاة أموالهم ، إلا منعوا القطر ( 7 ) من السماء ، ولولا البهائم لم يمطروا ، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله ، إلا سلط عليهم عدو من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم ، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ، إلا جعل بأسهم ( 8 ) بينهم ) .
4 – وروى الشيخان عن الاحنف بن قيس قال : ( جلست إلى ملا من قريش فجاء رجل ( 9 ) خشن الشعر والثياب والهيئة حتى قام عليهم فسلم ثم قال : بشر الكانزين برضف ( 10 ) يحمى عليه في نار جهنم ، ثم يوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض ( 11 ) كتفه ، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثدية فيتزلزل ) . ثم ولى فجلس إلى سارية . وتبعته وجلست إليه وأنا لا أدري من هو – فقلت : لا أرى القوم إلا قد كرهوا الذي قلت .
( 1 ) ( مثل ) صور . ( 2 ) ( الشجاع ) الذكر من الحيات و ( الاقرع ) الذي ذهب شعره من كثرة السم . ( 3 ) ( زبيبتان ) أي نكتتان سوداوان فوق عينه . ( 4 ) ( الفاحشة ) أي الزنا . ( 5 ) ( الاوجاع ) أي الامراض . ( 6 ) ( السنين ) أي الفقر . ( 7 ) ( القطر ) أي المطر . ( 8 ) ( بأسهم ) أي حربهم . ( 9 ) هو أبو ذر رضي الله عنه . ( 10 ) ( الرضف ) أي الحجارة المحماة . ( 11 ) ( نغض ) أي أعلى الكتف .
قال : إنهم لا يعقلون شيئا ، قال لي خليلي ، قلت : من خليلك ؟ قال : النبي صلى الله عليه وسلم . أتبصر أحدا ؟ قال : فنظرت إلى الشمس ما بقي من النهار ، وأنا أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسلني في حاجة له ، قلت : نعم : قال : ما أحب أن لي مثل أحد ذهبا أنفقه كله إلا ثلاثة دنانير ، وإن هؤلاء لا يعقلون ، إنما يجمعون الدنيا ، لا والله لا أسألهم دنيا ولا أستفتيهم عن دين حتى ألقى الله عزوجل .
( 4 ) حكم مانعها : الزكاة من الفرائض التي أجمعت عليها الامة واشتهرت شهرة جعلتها من ضروريات الدين ، بحيث لو أنكر وجوبها أحد خرج عن الاسلام ، وقتل كفرا ، إلا إذا كان حديث عهد بالاسلام ، فإنه يعذر لجهله بأحكامه . أما من امتنع عن أدائها – مع اعتقاده وجوبها – فإنه يأثم بامتناعه دون أن يخرجه ذلك عن الاسلام ، وعلى الحاكم أن يأخذها منه قهرا ويعزره ، ولا يأخذ من ماله أزيد منها ، إلا عند أحمد والشافعي في القديم ، فإنه يأخذها منه ، ونصف ماله ، عقوبة له ( 1 ) لما رواه أحمد ، والنسائي ، وأبو داود ، والحاكم ، والبيهقي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( في كل إبل سائمة ، في كل أربعين ابنة لبون لا يفرق إبل عن حسابها من أعطاها مؤتجرا ( 2 ) فله أجرها ، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة ( 3 ) من عزمات ربنا تبارك وتعالى لا يحل لال محمد منها شئ ) . وسئل أحمد عن إسناده فقال : صالح الاسناد . وقال الحاكم في بهز : حديثه صحيح ( 4 ) . ولو امتنع قوم عن أدائها – مع اعتقادهم وجوبها ، وكانت لهم قوة ومنعة فإنهم يقاتلون عليها حتى يعطوها . لما رواه البخاري ، ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أمرت أن أقاتل الناس
( 1 ) ويلحق به من أخفى ماله ومنع الزكاة ثم انكشف أمره للحاكم . ( 2 ) ( مؤتجرا ) أي طالبا الاجر . ( 3 ) ( عزمة ) أي حقا من الحقوق الواجبة . ( 4 ) روى البيهقي أن الشافعي قال : هذا الحديث لا يثبته أهل العلم بالحديث ، ولو ثبت قلنا به .
حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الاسلام وحسابهم على الله ) . ولما رواه الجماعة عن أبي هريرة قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أبو بكر ، وكفر من كفر من العرب ، فقال عمر : كيف تقاتل الناس ( 1 ) ؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله تعالى ؟ فقال : والهل لاقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عناقا ( 2 ) كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها . فقال عمر : فو الله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق . ولفظ مسلم ، وأبي داود ، والترمذي : لو منعوني عقالا ( 3 ) بدل ( عناقا ) .
( 5 ) على من تجب ؟ : تجب الزكاة على المسلم الحر المالك للنصاب ، من أي نوع من أنواع المال الذي تجب فيه الزكاة . ويشترط في النصاب :
1 – أن يكون فاضلا عن الحاجات الضرورية التي لا غنى للمرء عنها ، كالمطعم ، والملبس ، والمسكن ، والمركب ، وآلات الحرفة .
2 – وأن يحول عليه الحول الهجري ، ويعتبر ابتداؤه من يوم ملك النصاب ، ولابد من كماله في الحول كله . فلو نقص أثناء الحول ثم كمل اعتبر ابتداء الحول من يوم كماله . ( 1 ) المراد بهم بنو يربوع وكانوا جمعوا الزكاة وأرادوا أن يبعثوا بها إلى أبي بكر فمنعهم مالك بن نويرة من ذلك وفرقها فيهم . فهؤلاء هم الذين عرض الخلاف في أمرهم ووقعت الشبهة لعمر في شأنهم مما اقتضى مناظرته لابي بكر واحتجاجه على قتالهم بالحديث . وكان قتاله لهم في أول خلافته سنة إحدى عشرة من الهجرة . ( 2 ) ( عناقا ) أي أنثى المعز التي لم تبلغ سنة . ( 3 ) التحقيق أنه الحبل الذي يعقل به العبير ، وأن الكلام وارد على وجه المبالغة . ( .
قال النووي : مذهبنا ، ومذهب مالك ، وأحمد ، والجمهور : أنه يشترط في المال الذي يجب الزكاة في عينه – ويعتبر فيه الحول ، كالذهب ، والفضة والماشية – وجود النصاب في جميع الحول ، فإن نقص النصاب في لحظة من الحول انقطع الحول . فإن كمل بعد ذلك استؤنف الحول من حين يكمل النصاب . وقال أبو حنيفة : المعتبر وجود النصاب في أول الحول وآخره ، ولا يضر نقصه بينهما ، حتى لو كان معه مائتا درهم ، فتلفت كلها في أثناء الحول إلا درهما ، أو أربعون شاة ، فتلفت في أثناء الحول إلا شاة ، ثم ملك في آخر الحول تمام المائتين وتمام الاربعين ، وجبت الزكاة الجميع ( 1 ) . وهذا الشرط لا يتناول زكاة الزروع والثمار فإنها تجب يوم الحصاد قال الله تعالى ( وآتوا حقه يوم حصاده ( 2 ) ) . وقال العبدري : أموال الزكاة ضربان ، أحدهما ما هو نماء في نفسه ، كالحبوب ، والثمار ، فهذا تجب الزكاة فيه ، لوجوده . والثاني ما يرصد للنماء كالدراهم ، والدنانير ، وعروض التجارة ، والماشية ، فهذا يعتبر فيه الحول ، فلا زكاة في نصابه حتى يحول عليه الحول ، وبه قال الفقهاء كافة ، انتهى ، من المجموع للنووي . ( 1 ) لو باع النصاب في أثناء الحول أو أبدله بغير جنسه انقطع حول الزكاة واستأنف حولا آخر . ( 2 ) سورة الانعام . ( . )
( 6 ) الزكاة في مال الصبي والمجنون : يجب على ولي الصبي والمجنون أن يؤدي الزكاة عنهما من مالهما ، إذا بلغ نصابا . فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من ولي يتيما له مال فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة ( 3 ) ) وإسناده ضعيف ، قال الحافظ : وله شاهد مرسل عند الشافعي . وأكده الشافعي بعموم الاحاديث الصحيحة في إيجاب الزكاة مطلقا . وكانت عائشة رضي الله عنها تخرج زكاة أيتام كانوا في حجرها .
( 3 ) أي الزكاة .
قال الترمذي : اختلف أهل العلم في هذا : فرأى غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مال اليتيم زكاة ، منهم عمر ، وعلي ، وعائشة ، وابن عمر ، وبه يقول مالك ، والشافعي وأحمد ، وإسحق . وقالت طائفة : ليس في مال اليتيم زكاة ، وبه يقول سفيان وابن المبارك .
( 7 ) المالك المدين : من كان في يده مال تجب الزكاة فيه – وهو مدين أخرج منه ما يفي بدينه وزكى الباقي ، إن بلغ نصابا ، وإن لم يبلغ النصاب فلا زكاة فيه ، لانه في هذه الحالة فقير والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا صدقة إلا عن ظهر غني ) رواه أحمد . وذكره البخاري معلقا . وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم ) . ويستوي في ذلك الدين الذي عليه لله ، أو للعباد ، ففي الحديث : ( فدين الله أحق بالقضاء ) وسيأتي .
( 8 ) من مات وعليه الزكاة : من مات وعليه الزكاة ، فإنها تجب في ماله ( 1 ) وتقدم على الغرماء ( 2 ) والوصية والورثة ، لقول الله تعالى في المواريث : ( من بعد وصية يوصي بها أو دين ) والزكاة دين قائم لله تعالى . فعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن أمي ماتت وعليها صوم شهر ، أفأقضيه عنها ؟ فقال ( لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها ؟ ! ) قال : نعم . قال : ( فدين الله أحق أن يقضى ) . رواه الشيخان .
( 1 ) هذا مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور . ( 2 ) ( الغرماء ) أي الدائنون . ( . )
( 9 ) شرط النية في أداء الزكاة : الزكاة عبادة ، فيشترط لصحتها النية ، وذلك أن يقصد المزكي عند أدائها وجه الله ، ويطلب بها ثوابه ويجزم بقلبه أنها الزكاة المفروضة عليه . قال الله تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) . وفي الصحيح : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنما الاعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) .
واشترط مالك والشافعي : النية عند الاداء . وعند أبي حنيفة : أن النية تجب عند الاداء أو عند عزل الواجب . وجوز أحمد تقديمها على الاداء زمنا يسيرا .
( 10 ) أداؤها وقت الوجوب : يجب إخراج الزكاة فورا عند وجوبها ، ويحرم تأخير أدائها عن وقت الوجوب ، إلا إذا لم يتمكن من أدائها فيجوز له التأخير حتى يتمكن . لما رواه أحمد والبخاري عن عقبة بن الحارث قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر ، فلما سلم ، قام سريعا فدخل على بعض نسائه . ثم خرج ، ورأى ما في وجوه القوم من تعاجبهم لسرعته ، قال : ( ذكرت وأنا في الصلاة تبرأ ( 1 ) عندنا ، فكرهت أن يمسى أو يبيت عندنا ، فأمرت بقسمته ) ( 2 ) . وروى الشافعي ، والبخاري في التاريخ عن عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما خالطت الصدقة مالا قط إلا أهلكته ) . رواه الحميدي وزاد ، قال : ( يكون قد وجب عليك في مالك صدقة فلا تخرجها ، فيهلك الحرام الحلال ) .
( 1 ) التبر : قال الجوهري : لا يقال إلا للذهب وقد قاله بعضهم في الفضة . ( 2 ) قال ابن بطال : فيه أن الخير ينبغي أن يبادر به فإن الافات تعرض والموانع تمنع ، والموت لا يؤمن ، والتسويف غير محمود . ( . )
( 11 ) التعجيل بأدائها : يجوز تعجيل الزكاة وأداؤها قبل الحول ولو لعامين . فعن الزهري : أنه كان لا يرى بأسا أن يعجل زكاته قبل الحول . وسئل الحسن عن رجل أخرج ثلاث سنين ، يجزيه ؟ قال : يجزيه . قال الشوكاني : وإلى ذلك ذهب الشافعي وأحمد وأبو حنيفة وبه قال الهادي ، والقاسم ، قال المؤيد بالله : وهو أفضل . وقال مالك ، وربيعة ، وسفيان الثوري ، وداود ، وأبو عبيد بن الحارث ، ومن أهل البيت ، الناصر : إنه لا يجزئ حتى يحول الحول . واستدلوا بالاحاديث التي فيها تعلق الوجوب بالحول وقد تقدمت ، وتسليم ذلك لا يضر من قال بصحة التعجيل لان الوجوب متعلق بالحول فلا نزاع ، وإنما النزاع في الاجزاء قبله . انتهى . قال ابن رشد : وسبب الخلاف ، هل هي عبادة أو حق واجب للمساكين ؟ فمن قال : إنها عبادة ، وشبهها بالصلاة ، لم يجز إخراجها قبل الوقت ، ومن شبهها بالحقوق الواجبة المؤجلة ، أجاز إخراجها قبل الاجل على جهة التطوع . وقد احتج الشافعي لرأيه بحديث علي رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه ومسلم استسلف صدقة العباس قبل محلها ، انتهى .
( 12 ) الدعاء للمزكي : يستحب الدعاء للمزكي عند أخذ الزكاة منه . لقول الله تعالى : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل ( 1 ) عليهم إن صلاتك سكن لهم ) . وعن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتي بصدقة قال : ( اللهم صل عليهم ) . وأن أبي أتاه بصدقة فقال ( اللهم صل على آل أبي أوفى ) . رواه أحمد وغيره . وروى النسائي عن وائل بن حجر قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – في رجل بعث بناقة حسنة في الزكاة – : ( اللهم بارك فيه وفي إبله ) . قال الشافعي : السنة للامام – إذا أخذ الصدقة – أن يدعو للمتصدق ، ويقول : آجرك الله فيما أعطيت ، وبارك لك فيما أبقيت .
( 1 ) ( وصل عليهم ) أي أدع لهم .
الاموال التي تجب فيها الزكاة أوجب الاسلام الزكاة في الذهب ، والفضة ، والزروع ، والثمار وعروض التجارة . والسوائم ، والمعدن ، والركاز . زكاة النقدين : الذهب ، والفضة وجوبها : جاء في زكاة الذهب والفضة ، قول الله تعالى : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباهم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) . والزكاة واجبة فيهما ، سواء أكانا نقودا ، أم سبائك ، أم تبرأ ، متى بلغ مقدار المملوك من كل منهما نصابا ، وحال عليه الحول ، وكان فارغا عن الدين ، والحاجات الاصلية . نصاب الذهب ومقدار الواجب : لا شئ في الذهب حتى يبلغ عشرين دينارا ، فإذا بلغ عشرين دينارا ، وحال عليها الحول ، ففيها ربع العشر ، أو نصف دينار ، وما زاد على العشرين دينارا يؤخذ ربع عشره كذلك ، فعن علي رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس عليك شئ – يعني في الذهب – حتى يكون لك عشرون دينارا ، فإذا كانت لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ، ففيها نصف دينار . فما زاد فبحساب ذلك ، وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول . ) رواه أحمد ، وأبو داود ، والبيهقي ، وصححه البخاري ، وحسنه الحافظ . وعن زريق مولى بني فزارة : أن عمر بن عبدالعزز كتب إليه – حين استخلف – : خذ ممن مر بك من تجار المسلمين – فيما يديرون من أموالهم – من كل أربعين دينارا : دينارا ، فما نقص فبحساب ما نقص حتى يبلغ عشرين ، فإن نقصت ثلث دينار فدعها ، لا تأخذ منها شيئا ، واكتب لهم براءة بما تأخذ منهم ، إلى مثلها من الحول ، رواه ابن أبي شيبة . قال مالك في الموطأ : السنة التي لا اختلاف فيها عندنا أن الزكاة تجب في عشرين دينارا كما تجب في مائتي درهم . والعشرون دينارا تساوي 28 درهما وزنا بالدرهم المصري . نصاب الفضة ومقدار الواجب : وأما الفضة ، فلا شئ فيها حتى تبلغ مائتي درهم ، فإذا بلغت مائتي درهم ففيها ربع العشر ، وما زاد فبحسابه ، قل أم كثر ، فإنه لا عفو في زكاة النقد بعد بلوغ النصاب . فعن علي رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( قد عفوت لكم عن الخيل والرقيق ، فهاتوا صدقة الرقة ( الفضة ) من كل أربعين درهما : درهم ، وليس في تسعين ومائة شئ ، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم . ) رواه أصحاب السنن . قال الترمذي : سألت البخاري عن هذا الحديث فقال : صحيح . قال : والعمل عند أهل العلم ، ليس فيما دون خمسة أوراق صدقة ، والاوقية أربعون درهما ، وخمس أوراق مائتا درهم . والمائتا درهم 9 / 27 7 ريالا و 5 / 555 قرشا مصريا . ضم النقدين : من ملك من الذهب أقل من نصاب ، ومن الفضة كذلك لا يضم أحدهما إلى الاخر ، ليكمل منهما نصابا ، لانهما جنسان : لا يضم أحدهما إلى الثاني ، كالحال في البقر والغنم ، فلو كان في يده 199 درهما وتسعة عشر دينارا ، لا زكاة عليه .
زكاة الدين : للدين حالتان : 1 – الدين إما أن يكون على معترف به ، باذل له ، وللعلماء في ذلك عدة آراء : ( الرأي الاول ) أن على صاحبه زكاته ، إلا أنه لا يلزمه إخراجها حتى يقبضه فيؤدي لما مضى ، وهذا مذهب علي ، والثوري ، وأبي ثور ، والاحناف والحنابلة . ( الرأي الثاني ) أنه يلزمه إخراج الزكاة في الحال ، وإن لم يقبضه ، لانه قادر على أخذه والتصرف فيه ، فلزمه إخراج زكاته كالوديعة ، وهذا مذهب عثمان ، وابن عمر ، وجابر ، وطاووس ، والنخعي ، والحسن ، والزهري ، وقتادة ، والشافعي . ( الرأي الثالث ) أنه لا زكاة فيه ، لانه غير نام فلم تجب زكاته ، كعروض القنية ، وهذا مذهب عكرمة ، ويروى عن عائشة ، وابن عمر . ( الرأي الرابع ) أنه يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة . وهذا مذهب سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح .
2 – وإما أن يكون الدين على معسر ، أو جاحد ، أو مماطل به . فإن كان كذلك ، فقيل : إنه لا تجب فيه الزكاة وهذا قول قتادة ، وإسحاق وأبي ثور ، والحنفية ، لانه غير مقدور على الانتقاع به . وقيل : يزكيه إذا قبضه لما مضى . وهو قول الثوري وأبي عبيد ، لانه مملوك يجوز التصرف فيه ، فوجبت زكاته لما مضى كالدين على الملئ ، وروي عن الشافعي الرأيان . وعن عمر بن عبد العزيز ، والحسن ، والليث ، والاوزاعي ، ومالك : يزكيه إذا قبضه ، لعام واحد . زكاة أوراق البنكنوت والسندات : أوراق البنكنوت والسندات : هي وثائق بديون مضمونة تجب فيها الزكاة ، إذا بلغت أول النصاب 27 ريالا مصريا لانه يمكن دفع قيمتها فضة فورا . زكاة الحلى : اتفق العلماء على أنه لا زكاة في الماس ، والدر ، والياقوت ، واللؤلؤ ، والمرجان ، والزبرجد ، ونحو ذلك من الاحجار الكريمة إلا إذا اتخذت للتجارة ففيها زكاة . واختلفوا في حلي المرأة ، من الذهب والفضة . فذهب إلى وجوب الزكاة فيه ، أبو حنيفة ، وابن حزم ، إذا بلغ نصابا ، استدلالا بما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأتان في أيديهما أساور من ذهب : فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أتحبان أن يسوركما ( 1 ) الله يوم القيامة أساور من نار ؟ ) قالتا : لا ، قال : ( فأديا حق ( 2 ) هذا الذي في أيديكما ) . وعن أسماء بنت يزيد قالت : دخلت أنا وخالتي على النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلينا أسورة من ذهب ، فقال لنا : ( أتعطيان زكاته ؟ ) قالت : فقلنا : لا . قال : ( أما تخافان أن يسور كما الله أسورة من نار ؟ أديا زكاته ) قال الهيثمي رواه أحمد وإسناده حسن . وعن عائشة قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فتخات ( 3 ) من ورق ( 4 ) ، فقال لي : ما ( هذا يا عائشة ؟ ) فقلت : صنعتهن أتزين لك يا رسول الله ؟ فقال : ( اتؤدين زكاتهن ؟ ) قلت : لا ، أو ما شاء الله ، قال : ( هو حسبك من النار ) ( 5 ) رواه أبو داود ، والدار قطني ، والبيهقي وذهب الائمة الثلاثة إلى أنه لا زكاة في حلى المرأة ، بالغا ما بلغ . فقد روى البيهقي أن جابر بن عبد الله سئل عن الحلي : أفيه زكاة ؟ قال جابر : لا . فقيل : وإن كان يبلغ ألف دينار ؟ فقال جابر : أكثر . وروى البيهقي : أن أسماء بنت أبي بكر كانت تحلي بناتها بالذهب ، ولا تزكيه ، نحوا من خمسين ألفا . وفي الموطأ ، عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه : أن عائشة كانت تلي بنات أخيها ، يتامى في حجرها ، لهن الحلي فلا تخرج من حليهن الزكاة ،
( 1 ) ( أن يسوركما ) أي أن يلبسكما . ( 2 ) ( حق هذا ) أي زكاته . ( 3 ) ( فتخات ) أي خواتم . ( 4 ) ( ورق ) أي فضة . ( 5 ) يعني لو لم تعذب في النار إلا من أجل عدم زكاته لكفاها . ( . ) / صفحة 343 /
وفيه أن عبد الله بن عمر كان يحلي بناته وجواريه الذهب ثم لا يخرج من حليهن الزكاة . قال الخطابي : الظاهر من الكتاب ( 1 ) يشهد لقول من أوجبها ، والاثر يؤيده ، ومن أسقطها ذهب الى النظر ، ومعه طرف من الاثر . والاحتياط أداؤها . هذا الخلاف بالنسبة للحلي المباح ، فإذا اتخذت المرأة حليا ليس لها اتخاذه – كما إذا اتخذت حلية الرجل ، كحلية السيف – فهو محرم ، وعليها الزكاة ، وكذا الحكم في اتخاذ أواني الذهب والفضة . زكاة صدقة المرأة : ذهب أبو حنيفة إلى أن صداق المرأة لا زكاة فيه ، إلا إذا قبضته ، لانه بدل عما ليس بمال ، فلا تجب فيه الزكاة قبل القبض ، كدين الكتابة . ويشترط بعد قبضه أن يبلغ نصابا ، ويحول عليه الحول ، إلا إذا كان عنها نصاب آخر سوى المهر ، فإنها إذا قبضت من الصداق شيئا ضمته إلى النصاب ، وزكته بحوله . وذهب الشافعي إلى أن المرأة يلزمها زكاة الصداق ، إذا حال عليه الحول ، ويلزمها الاخراج عن جميعه آخر الحول ، وإن كان قبل الدخول ولا يؤثر كونه معرضا للسقوط بالفسخ ، بردة أو غيرها ، أو نصفه بالطلاق . وعند الحنابلة : أن الصداق في الذمة دين للمرأة ، حكمه حكم الديون عندهم ، فإن كان على ملئ ( 2 ) به فالزكاة واجبة فيه ، إذا قبضته أدت لما مضى ، وإن كان على معسر أو جاحد ، فاختيار الخرقي وجوب الزكاة فيه . ولا فرق بين ما قبل الدخول أو بعده . فإن سقط نصفه بطلاق المرأة قبل الدخول ، وأخذت النصف ، فعليها زكاة ما قبضته ، دون ما لم تقبضه . وكذلك لو سقط كل الصداق قبل قبضه ، لانفساخ النكاح بأمر من جهتها ، فليس عليها زكاته . ( 1 ) يشير إلى عموم قول الله تعالى : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ) الاية . ( 2 ) ( ملئ ) أي غني .
زكاة أجرة الدور المؤجرة : ذهب أبو حنيفة ومالك ، إلى أن المؤجر لا يستحق الاجرة بالعقد ، وإنما يستحقها بانقضاء مدة الاجارة . وبناء على هذا ، فمن أجر دارا لا تجب عليه زكاة أجرتها حتى يقبضها ، ويحول عليها الحول ، وتبلغ نصابا . وذهبت الحنابلة إلى أن المؤجر يملك الاجرة من حين العقد ، وبناء عليه ، فإن من أجر داره تجب الزكاة في أجرتها إذا بلغت نصابا وحال عليها الحول ، فإن المؤجر يملك التصرف في الاجرة بأنواع التصرفات ، وكون الاجارة عرضة للفسخ لا يمنع وجوب الزكاة ، كالصداق قبل الدخول ، ثم إن كان قد قبض الاجرة أخرج الزكاة منها ، وإن كانت دينا فهي كالدين ، معجلا كان أو مؤجلا ( 1 ) . وفي المجموع للنووي : وأما إذا أجر داره أو غيرها بأجرة حالة ، وقبضها ، فيجب عليه زكاتها بلا خلاف .
( 1 ) أي أنه يؤدي زكاتها حين يقبضها لما مضى من حين العقد إن اكن مضى عليها حول أو أكثر . ( . )
زكاة التجارة حكمها : ذهب جماهير العلماء من الصحابة ، والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء إلى وجوب الزكاة في عروض ( 2 ) التجارة . لما رواه أبو داود البيهقي عن سمرة بن جندب قال : أما بعد ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع . وروى الدار قطني والبيهقي عن أبي ذر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( في الابل صدقتها ، وفي الغنم صدقتها وفي البقر صدقتها ، وفي البز ( 3 ) صدقته ) وروى الشافعي ، وأحمد وأبو عبيد ، والدار قطني والبيهقي وعبد الرزاق
( 2 ) ( العروض ) جمع عرض : وهو غير الاثمان من المال . ( 3 ) ( البز ) متاع البيت . ( . ) / صفحة
عن أبي عمرو بن حماس عن أبيه قال : كنت أبيع الادم والجعاب ( 1 ) فمر بي عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : أد صدقه مالك ، فقلت يا أمير المؤمنين ، إنما هو الادم . قال : قومه ، ثم أخرج صدقته . قال في المغني وهذه قصة يشتهر مثلها ، ولم تنكر ، فيكون إجماعا . وقالت الظاهرية : لا زكاة في مال التجارة . قال ابن رشد : والسبب في اختلافهم في وجوب الزكاة بالقياس . واختلافهم في تصحيح حديث سمرة ، وحديث أبي ذر . أما القياس الذي اعتمده الجمهور ، فهو أن العروض المتخذة للتجارة مال مقصود به التنمية ، فأشبه الاجناس الثلاثة التي فيها الزكاة باتفاق – أعني الحرث ، والماشية ، والذهب ، والفضة . وفي المنار : جمهور علماء الملة يقولون بوجوب زكاة عروض التجارة ، وليس فيها نص قطعي من الكتاب أو السنة وإنما ورد فيها روايات ، يقوي بعضها بعضا ، مع الاعتبار المستند إلى النصوص ، وهو أن عروض التجارة المتداولة للاستغلال نقود ، لا فرق بينها وبين الدراهم والدنانير التي هي أثمانها إلا في كون النصاب يتقلب ويتردد بين الثمن وهو النقد ، والمثمن وهو العروض ، فلو لم تجب الزكاة في التجارة لامكن لجميع الاغنياء ، أو أكثرهم أن يتجروا بنقودهم ، ويتحروا أن لا يحول على نصاب من النقدين أبدا ، وبذلك تبطل الزكاة فيهما عندهم . ورأس الاعتبار في المسألة : أن الله تعالى فرض في أموال الاغنياء صدقة لمواساة الفقراء ومن في معناهم ، وإقامة المصالح العامة ، وأن الفائدة في ذلك للاغنياء ، تطهير أنفسهم من رذيلة البخل ، وتزكيتها بفضائل الرحمة بالفقراء وسائر أصناف المستحقين ، ومساعدة الدولة والامة في إقامة المصالح العامة ، والفائدة للفقراء وغيرهم ، إعانتهم على نوائب الدهر ، مع ما في ذلك من سد ذريعة المفاسد ، في تضخم الاموال ، وحصرها في أناس معدودين ، وهو المشار إليه بقوله تعالى في حكمة قسمة الفئ ( كي لا يكون دولة بين الاغنياء منكم ) فهل يعقل أن يخرج من هذه المقاصد الشرعية كلها ، التجار الذين ربما تكون معظم ثروة الامة في أيديهم ؟ متى تصير العروض للتجارة ؟ : قال صاحب المغني ( 1 ) : ( ولا يصير العرض للتجارة ، إلا بشرطين : الاول : أن يملكه بفعله كالبيع ، والنكاح ، والخلع ، وقبول الهبة ، والوصية ، والغنيمة ، واكتساب المباحات ، لان ما لا يثبت له حكم الزكاة بدخوله في ملكه ، لا يثبت بمجرد النية ، كالصوم ، ولا فرق بين أن يملكه بعوض أم بغير عوض ، لانه ملكه بفعله ، فأشبه الموروث . والثاني : أن ينوي عند تملكه ، أنه للتجارة ، فإن لم ينو عند تملكه أنه للتجارة لم يصر للتجارة ، وإن نواه بعد ذلك . وإن ملكه بإرث ، وقصد أنه للتجارة ، لم يصر للتجارة ، لان الاصل القنية ، والتجارة عارض ، فلا يصير إليها بمجرد النية ، كما لو نوى الحاضر السفر ، لم يثبت له حكم السفر بدون الفعل ، وإن اشترى عرضا للتجارة فنوى به الاقتناء صار للقنية ، وسقطت الزكاة منه .
( 1 ) وما في المهذب لا يخرج عن معناه . ( . )
كيفية تزكية مال التجارة : من ملك من عروض التجارة قدر نصاب ، وحال عليه الحول قومه آخر الحول ، وأخرج زكاته ، وهو ربع عشر قيمته . وهكذا يفعل التاجر في تجارته كل حول ، ولا ينعقد الحول حتى يكون القدر الذي يملكه نصابا ( 2 ) ، فلو ملك عرضا ، قيمته دون النصاب ، فمضى جزء من الحول ، وهو كذلك ، ثم زادت قيمة النماء به ، أو تغيرت الاسعار ، فبلغ نصابا ، أو باعه بنصاب ، أو ملك في أثناء الحول عرضا آخر ، أو أثمانا ، تم بها النصاب ، ابتدأ الحول من حينئذ ولا يحتسب بما مضى .
( 2 ) يرى الامام مالك أن الحول ينعقد على ما دون النصاب ، فإذا بلغ في آخره نصابا زكاه
وهذا قول الثوري والاحناف ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبي عبيد ، وأبي ثور ، وابن المنذر . ثم إذا نقص النصاب أثناء الحول ، وكمل في طرفيه ، لا ينقطع الحول عند أبي حنيفة ، لانه يحتاج إلى أن تعرف قيمته في كل وقت ، ليعلم أن قيمته فيه تبلغ نصابا ، وذلك يشق . وعند الحنابلة : أنه إذا نقص أثناء الحول ، ثم زاد حتى بلغا نصابا ، استأنف الحول عليه ، لكونه انقطع بنقصه في أثنائه .
زكاة الزروع والثمار وجوبها : أوجب الله تعالى زكاة الزروع والثمار فقال : ( يأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الارض ) والزكاة تسمى نفقة ، قال تعالى : ( وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أمثر وءاتوا حقه يوم حصاده ) . قال ابن عباس : حقه ، الزكاة المفروضة . وقال : العشر ، ونصف العشر . الاصناف التي كانت تؤخذ منها الزكاة على عهد الرسول : وقد كانت الزكاة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تؤخذ من الحنطة والشعير والتمر والزبيب . فعن أبي بردة عن أبي موسى ومعاذ رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثهما إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم ، فأمرهم أن لا يأخذوا الصدقة إلا من هذه الاربعة : الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب . رواه الدار قطني ، والحاكم ، والطبراني ، والبيهقي ، وقال : رواته ثقات وهو متصل . قال ابن المنذر وابن عبد البر : وأجمع العلماء : على أن الصدقة واجبة في الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب . وجاء في رواية ابن ماجه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما سن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذرة . وفي إسناد هذه الرواية ، محمد بن عبيدالله العرزمي وهو متروك الاصناف التي لم تكن تؤخذ منها : ولم تكن تؤخذ الزكاة من الخضروات ، ولا من غيرها من الفواكه إلا العنب والرطب . فعن عطاء بن السائب : ان عبد الله بن المغيرة أراد أن يأخذ صدقة من أرض موسى بن طلحة من الخضروات فقال له موسى بن طلحة : ليس لك ذلك ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( ليس في ذلك صدقة ) . رواه الدار قطني ، والحاكم ، والاثرم في سننه . وهو مرسل قوي . وقال موسى بن طلحة : جاء الاثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمسة أشياء : الشعير ، والحنطة ، والسلت ( 1 ) والزبيب ، والتمر ، وما سوى ذلك مما أخرجت الارض فلا عشر فيه . وقال : إن معاذا لم يأخذ من الخضر صدقة . قال البيهقي : هذه الاحاديث كلها مراسيل ، إلا أنها من طرق مختلفة ، فيؤكد بعضها بعضا ، ومعها من أقوال الصحابة عمر وعلي وعائشة . وروى الاثرم : أن عامل عمر كتب إليه في كروم فيها من الفرسك ( 2 ) والرمان ما هو أكثر غلة من الكروم أضعافا ؟ فكتب إليه : إنه ليس عليها عشر ، هي من العضاه . قال الترمذي : والعمل على هذا عند أهل ( 3 ) العلم : أنه ليس في الخضروات صدقة . وقال القرطبي : إن الزكاة تتعلق بالمقتات ، دون الخضروات وقد
( 1 ) ( السلت ) نوع من الشعير . ( 2 ) ( الفرسك ) الخوخ . ( 3 ) يقصد : أكثرهم .
كان بالطائف الرمان والفرسك والاترج فما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منها زكاة ، ولا أحد من خلفائه . قال ابن القيم : ولم يكن من هديه أخذ الزكاة من الخيل والرقيق ، ولا البغال ، ولا الحمير ، ولا الخضروات ، ولا الاباطخ والمقاتي ، والفواكه التي لا تكال ولا تدخر إلا العنب والرطب فإنه يأخذ الزكاة منه جملة ، ولم يفرق بين ما يبس وما لم ييبس . رأي الفقهاء : لم يختلف أحد من العلماء في وجوب الزكاة في الزروع والثمار ، وإنما اختلفوا في الاصناف التي تجب فيها ، إلى عدة آراء نجملها فيما يلي :
1 – رأي الحسن البصري والشعبي أنه لا زكاة إلا في المنصوص عليه ، وهو الحنطة ، والشعير والذرة ، والتمر ، والزبيب . لان ما عداه لا نص فيه ، واعتبر الشوكاني هذا ، المذهب الحق .
2 – رأي أبي حنيفة : أن الزكاة واجبة في كل ما انبته الارض ، لا فرق بين الخضروات وغيرها ، واشترط أن يقصد بزراعته استغلال الارض ونماؤها عادة ، واستثنى الحطب ، والقصب الفارسي ( 1 ) والحشيش ، والشجر الذي لا ثمر له . واستدل لذلك بعموم قوله صلى الله عليه وسلم . ( فيما سقت السماء العشر ) وهذا عام يتناول جميع أفراده ، ولانه يقصد بزراعته نماء الارض فأشبه الحب .
3 – رأي أبي يوسف ومحمد : أن الزكاة واجبة في الخارج من الارض ، بشرط أن يبقى سنة بلا علاج كثير ، سواء أكان مكيلا كالحبوب ، أو موزونا كالقطن والسكر . فإن كان لا يبقى سنة ، كالقثاء والخيار ، والبطيخ ، والشمام ونحوها من الخضروات والفواكه ، فلا زكاة فيه .
( 1 ) ( القصب الفارسي ) هو البوص في اللغة العامية المصرية . ( . ) /
4 – مذهب مالك : أنه يشترط فيما يخرج من الارض أن يكون مما يبقي وييبس ويستنيته بنو آدم ، سواء أكان مقاتا كالقمح والشعير ، أو غير مقتات ، كالقرطم والسمسم ، ولا زكاة عنده في الخضروات والفواكه ، كالتين ، والرمان والتفاح .
5 – وذهب الشافعي : إلى وجوب الزكاة فيما تخرجه الارض . بشرط أن يكون مما يقتات ويدخر ، ويستنبته الادميون ، كالقمح والشعير . قال النووي : مذهبنا : أنه زكاة في غير النخل والعنب من الاشجار . ولا في شئ من الحبوب إلا فيما يقتات ويدخر ، ولا زكاة في الخضروات . وذهب أحمد : إلى وجوب الزكاة في كل ما أخرجه الله من الارض ، من الحبوب ، والثمار ، مما ييبس ، ويبقى ، ويكال ويستنبته الادميون في أراضيهم ( 1 ) سواء أكان قوتا : كالحنطة ، أو من القطنيات ( 2 ) ، أو من الاباريز ، كالكسبرة : والكراويا ، أو من البذور : كبذر الكتان ، والقثاء ، والخيار ، أو حب البقول : كالقرطم والسمسم . وتجب عنده أيضا ، فيما جمع هذه الاوصاف من الثمار اليابسة كالتمر ، والزبيب ، والمشمش ، والتين واللوز والبندق والفستق . ولا زكاة عنده في سائر الفواكه كالخوخ ، والكمثرى والتفاح ، والمشمش والتين ، اللذين لا يجففان ولا في الخضروات كالقثاء ، والخيار ، والبطيخ ، والباذنجان واللفت والجزر .
( 1 ) وإن اشترى زرعا بعد بدو صلاحه أو ثمرة بدا صلاحها أو ملكها بجهة من جهات الملك لم تجب فيها الزكاة . ( 2 ) ( القطنيات ) هي الحبوب سوى البر والشعير سميت بذلك لانها تقطن في البيوت أي تخزن وهي كالعدس ، والحمص ، والبسلة ، والجلبان ، والترمس واللوبيا ، والفول . ( . )
زكاة الزيتون : قال النووي : وأما الزيتون ، فالصحيح عندنا أنه لا زكاة فيه : وبه قال الحسن بن صالح ، وابن أبي ليلى ، وأبو عبيد . وقال الزهري والاوزاعي ، والليث ، ومالك ، والثوري ، وأبو حنيفة وأبو ثور : فيه الزكاة . قال الزهري ، والليث ، والاوزاعي : يخرص فتؤخذ زكاته زيتا . وقال مالك : لا يخرص ، بل يؤخذ العشر بعد عصره وبلوغه خمسة أوسق . انتهى . سبب الخلاف ومنشؤه : قال ابن رشد : وسبب الخلاف : أما بين من قصر الزكاة على الاصناف المجمع عليها ، وبين من عداها إلى المدخر المقتات ، فهو اختلافهم في تعلق الزكاة بهذه الاصناف الاربعة ، هل هو لعينها ، أو لعلة فيها ، وهي الاقتيات ؟ فمن قال : لعينها ، قصر الوجوب عليها . ومن قال : لعلة الاقتيات ، عدى الوجوب لجميع المقتات . وسبب الخلاف بين من قصر الوجوب على المقتات ، وبين من عداه إلى جميع ما تخرجه الارض – إلا ما وقع عليه الاجماع من الحشيش ، والحطب ، والقصب – معارضة القياس لعموم اللفظ : أما اللفظ الذي يقتضي العموم ، فهو قوله عليه الصلاة والسلام : ( فيما سقت السماء العشر ، وفيما سقي بالنضح نصف العشر ) و ( ما ) بمعنى الذي ، و ( الذي ) من الفاظ العموم . وقوله تعالى : ( وهو الذي أنشأ جنات معروشات ) الاية إلى قوله : ( وآتوا حقه يوم حصاده ) . وأما القياس فهو أن الزكاة إنما المقصود بن سد الحلة ، وذلك لا يكون غالبا إلا فيما هو قوت . فمن خصص العموم بهذا القياس ، أسقط الزكاة مما عدا المقتات . ومن غلب العموم ، أوجبها فيما عدا ذلك ، إلا ما أخرجه الاجماع . والذين اتفقوا على المقتات ، اختلفوا في اشياء ، من قبل اختلافهم فيها ، هل هي مقتاتة أم ليست بمقتاتة ، وهل يقاس على ما اتفق عليه أو ليس يقاس ؟ مثل اختلاف مالك ، والشافعي ، في الزيتون ، فإن مالكا ذهب إلى وجوب الزكاة فيه ومنع الشافعي ذلك في قوله الاخير بمصر . وسبب اختلافهم ، هل هو قوت ، أو ليس بقوت . نصاب زكاة الزروع والثمار : ذهب أكثر أهل العلم إلى أن الزكاة لا تجب في شئ من الزروع والثمار ، حتى تبلغ خمسة أوسق بعد تصفيتها من التبن والقشر ، فإن لم تصف ، بأن تركت في قشرها ( 1 ) فيشترط أن تبلغ عشرة أوسق .
1 – فعن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ) . رواه أحمد ، والبيهقي بسند جيد .
2 – وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس فيما دون خمسة أوسق من تمر ولا حب صدقة ) . والوسق ، ستون صاعا بالاجماع ، وقد جاء ذلك في حديث أبي سعيد ، وهو حديث منقطع . وذهب أبو حنيفة ومجاهد إلى وجوب الزكاة في القليل والكثير ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( فيما سقت السماء العشر ) ، ولانه لا يعتبر له حول ، فلا يعتبر له نصاب . قال ابن القيم – مناقشا هذا الرأى – وقد وردت السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في تقدير نصاب المعشرات بخمسة أوسق ، بالمتشابه من قوله : ( فيما سقت السماء العشر وما سقي بنضح أو غرب فنصف العشر ) . قالوا . وهذا يعم القليل والكثير وقد عارضه الخاص ، ودلالة العام قطعية كالخاص وإذا تعارضا قدم الاحوط ، وهو الوجوب . فيقال : يجب العمل بكلا الحديثين ، ولا يجوز معارضة أحدهما بالاخر ، وإلغاء أحدهما بالكلية ، فإن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فرض في هذا ، وفي هذا ، ولا تعارض بينهما – بحمد الله تعالى – بوجه من الوجوه فإن قوله ( فيما سقت السماء العشر ) إنما أريد به التمييز ، بين ما يجب فيه العشر ، وما يجب فيه نصفه ، فذكر النوعين ، مفرقا بينهما في مقدار الواجب . وأما ( 1 ) كالارز إذا ترك في قشره . ( . ) / صفحة 353 /
مقدار النصاب فسكت عنه في هذا الحديث ، وبينه نصا في الحديث الاخر ، فكيف يجوز العدول عن النص الصحيح الصريح المحكم الذي لا يحتمل غير ما أول عليه ألبتة ، إلى المجمل المتشابه ، الذي غايته أن يتعلق فيه بعموم لم يقصدوا بيانه بالخاص المحكم المبين كبيان سائر العمومات بما يخصصها من النصوصين ؟ اه وقال ابن قدامة : قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ) متفق عليه : هذا خاص يجب تقديمه وتخصيص عموم ما رووه به كما خصصنا قوله : ( في كل سائمة من الابل الزكاة ) بقوله : ( ليس فيما دون خمس ذود صدقة ) وقوله : ( في الرقة ربع العشر ) بقوله : ( ليس فيما دون خمس أواق صدقة ) ولانه مال تجب فيه الصدقة ، فلم تجب في يسيره ، كسائر الاموال الزكوية . وانما لم يعتبر الحول ، لانه يكمل نماؤه باستحصاده ، لا ببقائه . واعتبر الحول في غيره ، لانه مظنة لكمال النماء في سائر الاموال . والنصاب اعتبر ليبلغ حدا يحتمل المواساة منه ، فلهذا اعتبر فيه . يحققه : أن الصدقة إنما تجب على الاغنياء ولا يحصل الغني بدون النصاب ، كسائر الاموال الزكوية . هذا ، والصاع قدح وثلث . فيكون النصاب خمسين كيلة فإن كان الخارج لا يكال ، فقد قال ابن قدامة : ( ونصاب الزعفران والقطن ، وما ألحق بهما من الموزونات ، ألف وستمائة رطل بالعراقي ، فيقوم وزنه مقامه . ( 1 ) قال أبو يوسف : إن كان الخارج مما لا يكال ، لا تجب فيه الزكاة إلا
إن بلغ قيمة نصاب من أدنى ما يكال . فلا تجب الزكاة في القطن إلا إذا بلغت قيمته خمسة أوسق ، من أقل ما يكال ، كالشعير ونحوه . لانه لا يمكن اعتباره بنفسه ، فاعتبر بغيره ، كالعروض يقوم بأدنى النصابين من الاثمان .
1 ) الخمسة الاوسق تساوي ألفا وستمائة رطل عراقي والرطل العراقي 130 درهما تقريبا .
وقال محمد : يلزم أن يبلغ خمسة أمثال من أعلى ما يقدر به نوعه ، ففي القطن لا تجب فيه الزكاة إن بلغ خمسة قناطير ، لان التقدير بالوسق فيما يوسق كان باعتبار أنه أعلى ما يقدر به نوعه . مقدار الواجب : يختلف القدر الذي يجب إخراجه ، باختلاف السقي : فما سقي بدون استعمال آلة – بأن سقي بالراحة – ففيه عشر الخارج ، فإن سقي بآلة أو بماء مشترى ، ففيه نصف العشر .
1 – فعن معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( فيما سقت السماء والبعل ( 1 ) ، والسيل العشر ، وفيما سقي بالنضح نصف العشر ) رواه البيهقي ، والحاكم ، وصححه .
2 – وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( فيما سقت السماء والعيون ، أو كان عشريا العشر ، وفيما سقي بالنضح نصف العشر ) رواه البخاري ، وغيره . فإن كان يسقى تارة بآلة ، وتارة بدونها ، فإن كان ذلك على جهة الاستواء ففيه ثلاثة أرباع العشر . قال ابن قدامة : لا نعلم فيه خلافا ، وإن كان أحدهما أكثر كان حكم الاقل تابعا للاكثر ، عند أبي حنيفة ، وأحمد ، والثوري ، وأحمد قولي الشافعي .
( 1 ) البعل والعثري : الذي يشرب بعرقه دون سقي ، والنضح : السقي من ماء بئر أو نهر بساقية . ( . )
وتكاليف الزرع من خصاد وحمل ودياسة ، وتصفية ، وحفظ ، وغير ذلك من خالص مال المالك ، ولا يحسب منها شئ من مال الزكاة . ومذهب ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما أنه يحسب ما اقترضه من أجل زرعه وثمره . عن جابر بن زيد : عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما – في الرجل يستقرض فينفق على ثمرته وعلى أهله – قال : قال ابن عمر : يبدأ بما استقرض فيقضيه ويزكي ما بقي . قال ( 1 ) وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يقضي ما أنفق على الثمرة ، ثم يزكي ما بقي ( 2 ) رواه يحيى بن آدم في الخراج . وذكر ابن حزم عن عطاء : أنه يسقي مما أصاب النفقة فإن بقي مقدار ما فيه الزكاة زكي ، وإلا فلا .
( 1 ) قوله : ( قال الخ ) أي قال جابر . ( 2 ) اتفق ابن عباس وابن عمر على قضاء ما أنفق على الثمرة وزكاة الباقي واختلفا في قضاء ما ما أنفق على أهله . ( . )
الزكاة في الارض الخراجية : تنقسم الارض إلى :
1 – عشرية ( 3 ) وهي الارض التي أسلم أهلها عليها طوعا ، أو فتحت عنوة وقسمت بين الفاتحين ، أو التي أحياها المسلمون .
2 – وخراجية ، وهي الارض التي فتحت عنوة ، وتركت في أيدي أهلها ، نظير خراج معلوم . والزكاة كما تجب في أرض العشر ، تجب كذلك في أرض الخراج ، إذا أسلم أهلها ، أو اشتراها المسلم ، فيجتمع فيها العشر والخراج ، ولا يمنع أحدهما وجوب الاخر . قال ابن المنذر : وهو قول أكثر العلماء . وممن قال به ، عمر بن عبد العزيز ، وربيعة ، والزهري ، ويحيى الانصاري ومالك ، والاوزاعي ، والثوري ، والحسن بن صالح ، وابن أبي ليلى ، والليث ، وابن المبارك ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو عبيد ، وداود ، واستدلوا على ذلك بالكتاب والسنة ، والمعقول – أي القياس – . أما الكتاب فقول الله تعالى : ( يأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الارض ) فأوجب الانفاق من الارض
( هامش ) ( 3 ) ( عشرية ) أي التي تجب فيها زكاة العشر .
مطلقا ، سواء كانت الارض خراجيه ، أو عشرية . وأما السنة فقوله عليه الصلاة والسلام : ( فيما سقت السماء العشر ) وهو عام يتناول العشرية والخراجية . وأما المعقول ، فلان الزاكة والخراج حقان بسببين مختلفين لمستحقين فلم يمنع أحدهما الاخر ، كما لو قتل المحرم صيدا مملوكا . ولان العشر وجب بالنص ، فلا يمنعه الخراج الواجب بالاجتهاد . وذهب أبو حنيفة : إلى أنه لا عشر في أرض الخراجية ، وإنما الواجب فيها الخراج فقط كما كانت ، وإن من شروط وجوب العشر أن لا تكون الارض خراجية . أدلة أبي حنيفة ومناقشتها : استدل الامام أبو حنيفة لمذهبه :
1 – بما رواه ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يجتمع عشر وخراج في أرض مسلم ) . وهذا الحديث مجمع على ضعفه ، انفرد به يحيى بن عنبسة ، عن أبي حنيفة ، عن حماد عن إبراهيم النخعي عن علقمة ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال البيهقي في معرفة السنن والاثار : ( هذا المذكور إنما يرويه أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم من قوله ، فرواه يحيى هكذا مرفوعا . ويحيى بن عنبسة
مكشوف الامر في الضعف لروايته عن الثقات ، الموضوعات . قاله أبو أحمد ابن عدي الحافظ فيما أخبرنا به أبو سعيد الماليني عنه ) . وضعفه كذلك الكمال بن الهمام من أئمة الحنفية ( 1 ) .
2 – وربما رواه أحمد ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( منعت العراق قفيزها ودرهمها ، ومنعت الشام مديها ودينارها ، ومنعت مصر إردبها ودينارها ، وعدتم من حيث بدأتم ، قالها
( 1 ) رجح الكمال مذهب الجمهور ، وناقش مذهبه بما لا يخرج عن مضمون هذا النقاش
ثلاثا ، شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه ) ( 1 ) . وليس في هذا الحديث دلالة على عدم أخذ الزكاة من الارض الخراجية ، فقد أوله العلماء على معنى أنهم سيسلمون ، وتسقط الجزية عنهم . أو أنه إشارة إلى الفتن التي تقع آخر الزمان ، المؤدية إلى منع الحقوق الواجبة عليهم ، من زكاة ، وجزية ، وغيرهما . قال النووي – عقب التأويلين – : لو كان معنى الحديث ما زعموه ، للزم أن لا تجب زكاة الدراهم والدنانير والتجارة ، وهذا لا يقول به أحد .
3 – وروى : ( أن دهقان بهر الملك ، لما أسلم ، قال عمر بن الخطاب : سلموا إليه الارض ، وخذوا منه الخراج . وهذا صريح في الامر بأخذ الخراج ، دون الامر بأخذ العشر ) . وهذه القصة يقصد بها أن الخراج لا يسقي بإسلامه ، ولا يلزم من ذلك سقوط العشر ، وإنما ذكر الخراج ، لانه ربما يتوهم سقوطه بالاسلام كالجزية ، وأما العشر ، فمعلوم أنه واجب على الحر المسلم فلم يحتج إلى ذكره . كما أنه لم يذكر أخذ زكاة الماشية منه . وكذك زكاة النقدين ، وغيرها ، أؤ لان الدهقان لم يكن له ما يجب فيه العشر .
4 – ( وأن عمل الولاة والائمة على عدم الجمع بين العشر والخراج ) . وهذا ممنوع بما نقله ابن المنذر من أن عمر بن عبد العزيز جمع بينهما .
5 – ( وأن الخراج يباين العشر : فإن الخراج وجب عقوبة بينما العشر وجب عبادة ، ولا يمكن اجتماعهما في شخص واحد فيجبا عليه معا . وهذا صحيح في حالة الابتداء ، ممنوع في حالة البقاء وليس كل صور الخراج أساسها العنوة والقهر ، بل يكون في بعض صورة مع عدم العنوة ، كما في الارض القريبة من أرض الخراج ، أو التي أحياها وسقاها بماء الانهار الصغار .
6 – ( أن سبب كل من الخراج والعشر واحد ، وهو الارض النامية ،
( 1 ) وجه الدلالة في الحديث : أنه إخبار عما يكون من منع الحقوق الواجبة وبين هذه الحقوق ، وأنها عبارة عن الخراج ، فلو كان العشر واجبا لذكره معه . ( . ) / صفحة 358 /
حقيقة ، أو حكما ، بدليل أنها لو كانت سبخة لا منفعة لها ، لا يجب فيها خراج ولا عشر ، وإذا كان السبب واحدا ، فلا يجتمعان معا في أرض واحدة ، لان السبب الواحد لا يتعلق به حقان من نوع واحد ، كما إذا ملك نصابا من السائمة للتجارة سنة ، فإنه لا يلزمه زكاتان ) . والجواب : أن الامر ليس كذلك ، فإن سبب العشر الزرع الخارج من الارض ، والخراج يجب على الارض ، سواء زرعها أم أهملها . وعلى تسليم وحدة السببية ، فلا مانع من تعلق الوظيفتين بالسبب الواحد ، الذي هو الارض . كما قال الكمال ابن الهمام . . يرى جمهور العلماء أن من استأجر أرضا فزرعها فالزكاة عليه ، دون مالك الارض . وقال أبو حنيفة : الزكاة على صاحب الارض . قال ابن رشد : والسبب في اختلافهم ، هل العشر حق الارض أو حق الزرع ؟ فلما كان عندهم أنه حق لاحد الامرين ، اختلفوا في أيهما أولى أن ينسب إلى موضع الانفاق . وهو كون الزرع والارض لمالك واحد . فذهب الجمهور : إلى أنه ما تجب فيه الزكاة ، وهو الحب . وذهب أبو حنيفة : إلى أنه ما هو أصل الوجوب ، وهو الارض . ورجح ابن قدامة رأي الجمهور فقال : ( إنه واجب في الزرع ، فكان على مالكه ، كزكاة القيمة ، فيما إذا أعده للتجارة ، وكعشر زرعه في ملكه ، ولا يصح قولهم : إنه من مؤنة الارض لانه لو كان من مؤنتها ، لوجب فيها ، وإن لم تزرع ، كالخراج ، ولوجب على الذمي ، كالخراج ، ولتقدر بقدر الارض لا بقدر الزرع ، ولوجب صرفه إلى مصارف الفئ ، دون مصرف الزكاة . تقدير النصاب في النخيل والاعناب بالخرص ( 1 ) دون الكيل : إذا أزهى النخيل والاعناب ، وبدا صلاحها ، اعتبر تقدير النصاب فيها
( 1 ) ( الخرص ) الحزر والتخمين .
بالخرص دون الكيل ، وذلك بأن يحصي الخارص الامين العارف ، ما على النخيل ، والاعناب ، من العنب والرطب ، ثم يقدره تمرا وزبيبا ، ليعرف مقدار الزكاة فيه ، فإذا جفت الثمار أخذ الزكاة التي سبق تقديرها منها . فعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال : غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك ، فلما جاء وادي القرى ، إذا امرأة في حديقة لها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اخرصوا ، وخرص رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق ، فقال لها : أحصي ما يخرج منها ) رواه البخاري .
هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعمل أصحابه من بعده وإليه ذهب أكثر أهل العلم ( 1 ) . وخالف في ذلك الاحناف : لان الخرص ظن وتخمين ، لا يلزم به حكم . وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى ، فإن الخرص ليس من الظن في شئ ، بل هو اجتهاد في معرفة قدر الثمر ، كالاجتهاد في تقويم المتلفات . وسبب الخرص ، أن العادة جرت بأكل الثمار رطبا ، فكان من الضروري إحصاء الزكاة قبل أن تؤكل وتصرم ( 2 ) ومن أجل أن يتصرف أربابها بما شاءوا ، ويضمنوا قدر الزكاة . وعلى الخارص ، أن يترك في الخرص الثلث ، أو الربع ، توسعة على أرباب الاموال ، لانهم يحتاجون إلى الاكل منه ، هم وأضيافهم وجيرانهم . وتنتاب الثمرة النوائب من أكل الطير والمارة وما تسقطه الريح ، فلو أحصي الزكاة من الثمر كله ، دون استثناء الثلث ، أو الربع ، لاضر بهم . فعن سهل بن أبي حثمة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث ، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع ( 3 ) ) رواه أحمد ، وأصحاب السنن ، إلا ابن ماجه . ورواه الحاكم ، وابن حبان وصححاه . قال الترمذي : والعمل على حديث سهل ، عند أكثر أهل العلم .
( 1 ) يرى مالك أنه واجب . وعند الشافعي وأحمد : سنة . ( 2 ) ( تصرم ) تقطع . ( 3 ) يتبع ذلك كثرة الاكلة وقلتهم فالثلث إذا كثروا ، والربع إذا قلوا . ( . ) / صفحة 360 /
وعن بشير بن يسار قال : بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبا حثمة الانصاري على خرص أموال المسلمين ، فقال : إذا وجدت القوم في نخلهم قد خرفوا ( 1 ) فدع لهم ما يأكلون ، لا تخرصه عليهم . وعن مكحول قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث الخراص قال : ( خففوا على الناس ، فإن في المال العرية والواطئة والاكلة ) رواه أبو عبيد . وقال : الواطئة ( السابلة ) سموا بذلك ، لوطئهم بلاد الثمار مجتازين . والاكلة : أرباب الثمار ، وأهلوهم ، ومن لصق بهم .
( هامش ) ( خرفوا ) اي أقاموا في نخلهم وقت الخريف . ( . )
الاكل من الزرع : يجوز لصاحب الزرع أن يأكل من زرعه ، ولا يحسب عليه ما أكل منه قبل الحصاد ، لان العادة جارية به ، وما يؤكل شئ يسير . وهو يشبه ما يأكله أرباب الثمار من ثمارهم فإذا حصد الزرع ، وصفى الحب ، أخرج زكاة الموجود . سئل أحمد عما يأكل أرباب الزروع من الفريك ؟ قال : لا بأس أن يأكل منه صاحبه ما يحتاج إليه . وكذلك قال الشافعي ، والليث ، وابن حزم ( 2 ) .
( 2 ) قال مالك وأبو حنيفة : يحسب على الرجل ما أكل من زرعه قبل الحصاد من النصاب . ( . )
ضم الزروع والثمار اتفق العلماء على أنه يضم أنواع الثمر بعضه إلى بعض ، وإن اختلف في الجودة ، والرداءة واللون ، وكذا يضم أنواع الزبيب بعضها إلى بعض وأنواع الحنطة ، بعضها إلى بعض ، وكذا أنواع سائر الحبوب ( 3 ) . واتفقوا أيضا على أن عروض التجارة تضم إلى الاثمان وتضم الاثمان إليها ، إلا أن الشافعي لا يضمها إلا إلى جنس ما اشتريت به ، لان نصابها معتبر به . واتفقوا على أنه لا يضم جنس إلى جنس آخر ، في تكميل النصاب ، في غير الحبوب والثمار .
( 3 ) إن ضم الجيد إلى الردئ أخذت الزكاة بحسب قدر كل واحد منهما ، فإن كان الثمر أصنافا أخذ من وسطه
فالماشية لا يضم جنس منها إلى جنس آخر . فلا يضم الابل إلى البقر في تكميل النصاب ، والثمار لا يضم جنس إلى غيره ، فلا يضم التمر إلى الزبيب . واختلفوا في ضم الحبوب المختلفة ، بعضها إلى بعض . وأولى الاراء وأحقها : أنه لا يضم شئ منها في حساب النصاب ، ويعتبر النصاب في كل جنس منها قائما بنفسه ، لانها أجناس مختلفة ، وأصناف كثيرة ، بحسب أسمائها فلا يضم الشعير إلى الحنطة ، ولا هي إليه ، ولا التمر إلى الزبيب ، ولا هو إليه ، ولا المحص إلى العدس . وهذا مذهب أبي حنيفة ، والشافعي ، وإحدى الروايات عن أحمد ، وإليه ذكب كثير من علماء السلف . قال ابن المنذر : وأجمعوا على أنه لا تضم الابل إلى البقر ، ولا إلى الغنم ، ولا البقر إلى الغنم ، ولا التمر إلى الزبيب ، فكذا لا ضم في غيرها ، وليس للقائلين بضم الاجناس دليل صحيح صريح فيما قالوه .
متى تجب الزكاة في الزروع والثمار : تجب الزكاة في الزروع إذا اشتد الحب وصار فريكا ، وتجب في الثمار إذا بدا صلاحها ، ويعرف ذلك باحمرار البلح ، وجريان الحلاوة في العنب ( 1 ) . ولا تخرج الزكاة إلا بعد تصفية الحب وجفاف الثمر . وإذا باع الزارع زرعه بعد اشتداد الحب ، وبدو صلاح الثمر فزكاة زرعه وثمره عليه ، دون المشتري ، لان سبب الوجوب العقد ، وهو في ملكه .
( 1 ) هذا مذهب الجمهور ، وعند أبي حنيفة ينعقد سبب الوجوب بخروج الزروع وظهور الثمر . ( . )
إخراج الطيب في الزكاة : أمر الله سبحانه المزكي بإخراج الطيب من ماله ، ونهاه عن التصدق بالردئ ، فقال : ( يأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الارض ولا تيمموا ( 2 ) الخبيث ( 3 ) منه تنفقون ولستم
( 2 ) ( تيمموا ) أي تقصدوا . ( 3 ) ( الخبيث ) أي الردئ غير الجيد . ( . ) / صفحة 362 /
بأخذيه إلا أن تغمضوا فيه ( 1 ) واعملوا أن الله غني حميد ) . روى أبو داود والنسائي ، وغيرهما ، عن سهل بن حنيف ، عن أبيه قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لونين من التمر : الجعرور ( 2 ) ، ولون الحبيق ( 3 ) . وكان الناس يتيممون شرار ثمارهم فيخرجونها في الصدقة . فنهوا عن ذلك ، ونزلت : ( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ) . وعن البراء قال : في قوله تعالى : ( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ) نزلت فينا معشر الانصار ، كنا أصحاب نخل ، فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته ، وكان الرجل يأتي بالقنو ، والقنوين فيعلقه في المسجد ، وكان أهل الصفة ( 4 ) ليس لهم طعام ، فكان أحدهم إذا جاع ، أتى القنو فضربه بعصاه فسقط البسر والتمر ، فيأكل ، وكان ناس ممن لا يرغب في الخير ، يأتي الرجل بالقنو فيه الشيص ، والحشف والقنو قد انكسر ، فيعلقه ، فأنزل الله تعالى : ( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه ) . قال : لو أن أحدكم أهدى إليه مثل ما أعطى لم يأخذه إلا على إغماض وحياء . قال : فكنا بعد ذلك يأتي أحدنا بصالح ما عنده . رواه الترمذي وقال : حسن صحيح غريب . قال الشوكاني : فيه دليل على أنه لا يجوز للمالك أن يخرج الردئ عن الجيد الذي وجبت فيه الزكاة ، نصا في التمر ، وقياسا في سائر الاجناس التي تجب فيها الزكاة وكذلك لا يجوز للمصدق أن يأخذ ذلك .
( 1 ) ( تغمضوا ) أي تتغاضوا في أخذه . ( 2 و 3 ) ( الجعرور والحبيق ) نوعان رديئان من التمر . ( 4 ) ( أهل الصفة ) أي فقراء المهاجرين . ( . )
ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا زكاة في العسل . قال البخاري : ليس في زكاة العسل شئ يصح . ( 5 )
( 5 ) أي عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال الشافعي : واختياري ألا يؤخذ منه ، لان السنن والاثار ثابتة فيما يؤخذ منه ، وليست ثابتة فيه ، فكان عفوا . وقال ابن المنذر : ليس في وجوب الصدقة في العسل خبر يثبت ، ولا إجماع ، فلا زكاة فيه ، وهو قول الجمهور . وذهب الحنفية ، وأحمد : إلى أن في العسل زكاة ، لانه وإن لم يصح في إيجابه حديث ، إلا أنه جاء فيه آثار يقوي بعضها بعضا ، ولانه يتولد من نور الشجر ، والزهر ، ويكال ويدخر ، فوجبت فيه الزكاة ، كالحب والتمر ، ولان الكلفة فيه دون الكلفة في الزروع والثمار . واشترط أبو حنيفة في إيجاب الزكاة في العسل ، أن يكون في أرض عشرية ولم يشترط نصابا له ، فيؤخذ العشر من قليله وكثيره . وعكس الامام أحمد ، فاشترط أن يبلغ نصابا ، وهو عشرة أفراق ، والفرق ستة عشر رطلا عراقيا ( 1 ) . وسوى بين وجوده في الارض الخراجية ، أو العشرية . وقال أبو يوسف : نصابه عشرة أرطال . وقال محمد : بل هو خمسة أفراق . والفرق ، ستة وثلاثون رطلا .
( هامش ) ( 1 ) الرطل العراقي 130 درهما . وهذا ظاهر كلام أحمد . ( . )
زكاة الحيوان جاءت الاحاديث الصحيحة ، مصرحة بإيجاب الزكاة في الابل ، والبقر ، والغنم ، وأجمعت الامة على العمل .
ويشترط لايجاب الزكاة فيها : ( 1 ) أن تبلغ نصابا ( 2 ) وأن يحول عليها الحول ( 3 ) وأن تكون سائمة ، أي راعية من الكلا المباح أكثر العام ( 2 ) . والجمهور على اعتبار هذا الشرط ، ولم يخالف فيه غير مالك ، والليث فإنهما أوجبا الزكاة في المواشي مطلقا : سواء أكانت سائمة ، أو معلوفة ،
( 2 ) هذا رأيي أبي حنيفة وأحمد . وعند الشافعي : إن علفت قدرا تعيش بدونه وجبت فيها الزكاة وإلا فلا ، وهي تصبر على العلف يومين لا أكثر . ( . ) / صفحة 364 /
عاملة ( 1 ) أو غير عاملة . لكن الاحاديث جاءت مصرحة بالتقييد بالسائمة ، وهو يفيد بمفهومه : أن المعلوفة لا زكاة فيها ، لانه لا بد للكلام عن فائدة ، صونا له عن اللغو . قال ابن عبد البر : لا أعلم أحدا قال بقول مالك ، والليث ، من فقهاء الامصار ( 1 ) ( عاملة ) أي معدة للحمل وغيره . ( . )
زكاة الابل : لا شئ في الابل حتى تبلغ خمسا ، فإذا بلغت خمسا ، سائمة ، وحال عليها الحول ، ففيها شاة ( 2 ) . فإذا بلغت عشرا ، ففيها شاتان ، وهكذا كلما زادت خمسا زادت شاة . فإذا بلغت خمسا وعشرين ، ففيها بنت مخاض ( وهي التي لها سنة ودخلت في الثانية ) أو ابن لبون ( 3 ) ( وهو الذي له سنتان ودخل في الثالثة ) . فإذا بلغت ستا وثلاثين ففيها ابنة لبون . وفي ست وأربعين حقه ( وهي التي لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة ) . وفي إحدى وستين جذعة ( وهي التي لها أربع سنين ودخلت في الخامسة )
وفي ست وسبعين بنتا لبون . وفي إحدى وتسعين حقتان ، إلى مائة وعشرين . فإذا زادت ، ففي كل أربعين ، ابنة لبون . وفي كل خمسين حقة . فإذا تباين أسنان الابل في فرائض الصدقات ، فمن بلغت عنده صدقة الجذعة – وليست عنده جذعة ، وعنده حقة – فإنها تقبل منه ، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له ، أو عشرين درهما . ومن بلغت عنده صدقة الحقة – وليست عنده إلا جذعة – فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما ، أو شاتين .
( 2 ) ( شاة ) أي جذع من الضأن ، وهو ما أتى عليه أكثر السنة . أو ثني من المعز ، وهو ما له سنة . ( 3 ) لا يؤخذ الذكور في الزكاة إذا كان في النصاب إناث غير ابن اللبون عند عدم وجود بنت المخاض ، فإذا كانت الابل كلها ذكور جاز أخذ الذكور . ( . ) / صفحة 365 /
ومن بلغت عنده صدقة الحقة – وليست عنده . وعنده ابنة لبون – فنها تقبل منه ، ويجعل معها شاتين ، إن استيسرتا له ، أو عشرين درهما . ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون – وليست عنده الاحقة – فإنها تقبل منه ، ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين . ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون – وليست عنده ابنة لبون ، وعنده ابنة مخاض – فإنها تقبل منه ، ويجعل معها شاتين ، إن استيسرتا له أو عشرين درهما . ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض – وليس عنده إلا ابن لبون ذكر – فإنه يقبل منه ، وليس معه شئ . ومن لم تكن معه إلا أربع من الابل ، فليس فيها شئ ، إلا أن يشاء ربها ( 1 ) . هذه فريضة صدقة الابل ، التي عمل بها الصديق رضي الله عنه ، بمحضر من الصحابة ، ولم يخالفه أحد . فعن الزهري عن سالم عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كتب الصدقة ، ولم يخرجها إلى عماله حتى توفي فأخرجها أبو بكر رضي الله عنه فعمل بها حتى توفي ، ثم أخرجها عمر رضي الله عنه من بعده فعمل بها ، قال : فلقد هلك عمر يوم هلك ، وإن ذلك لمقرون بوصيته .
( 1 ) قال الشوكاني : ذلك ونحوه يدل على أن الزكاة واجبة في العين ولو كانت القيمة هي الواجبة لكان ذكر ذلك عبثا ، لانها تختلف باختلاف الازمنة والامكنة . ( . )
زكاة البقر ( 2 ) : وأما البقر فلا شئ فيها ، حتى تبلغ ثلاثين سائمة ، فإذا بلغت ثلاثين سائمة ، وحال عليها الحول ففيها تبيع ، أو تبيعة ( وهو ما له سنة ) ولا شئ فيها غير ذلك حتى تبلغ أربعين ، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة ( 3 ) ( وهي ما لها سنتان ) ولا شئ فيها حتى تبلغ ستين ، فإذا بلغت ستين ، ففيها تبيعان .
( 2 ) يشمل الجاموس . ( 3 ) مذهب الاحناف أنه يجوز إخراج المسنة والمسن . وقال غيرهم : يلزم في الاربعين مسنة أنثى ، فقط إلا إذا كانت كلها ذكورا فإنه يجوز الاخراج منها اتفاقا . ( . ) / صفحة 366 /
وفي السبعين مسنة ، وتبيع ، وفي الثمانين ، مسنتان ، وفي التسعين ، ثلاثة أتباع . وفي المائة ، مسنة ، وتبيعان ، وفي العشرة والمائة ، مسنتان ، وتبيع . وفي العشرين والمائة ، ثلاث مسنات ، أو أربعة أتباع وهكذا ما زاد ففي كل ثلاثين ، تبيع ، وفي كل أربعين مسنة . زكاة الغنم ( 1 ) : لا زكاة في الغنم حتى تبلغ أربعين ، فإذا بلغت أربعين سائمة وحال عليها الحول ، ففيها شاة ، إلى مائة وعشرين ، فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين ففيها شاتان ، إلى مائتين ، فإذا بلغت مائتين وواحدة ، ففيها ثلاث شياه ، إلى ثلاثمائة ، فإذا زادت على ثلاثمائة ، ففي كل مائة شاة . ويؤخذ الجذع من الضأن ، والثني من المعز . هذا ويجوز إخراج الذكور في الزكاة اتفاقا ، إذا كان نصاب الغنم كله ذكورا . فإن كان إناثا ، أو ذكورا وإناثا ، جاز إخراج الذكور عند الاحناف وتعينت الانثى عند غيرهم .
( هامش ) ( 1 ) يشمل الضأن والمعز ، وهما جنس واحد ، يضم أحدهما إلى الاخر بالاجماع ، كما قال ابن المنذر . ( . )
حكم الاوقاص : الاوقاص : جمع وقص ، وهي ما بين الفريضتين ، وهو باتفاق العلماء عفو لا زكاة فيه . فقد ثبت من كلام النبي صلى الله عليه وسلم في صدقة الابل : ( فإذا بلغت خمسا وعشرين ، ففيها بنت مخاض أنثى ، فإذا بلغت ستا وثلاثين ، إلى خمس وأربعين ، ففيها بنت لبون أنثى ) . وفي صدقة البقر يقول : ( فإذا بلغت ثلاثين ففيها عجل تابع ، جذع أو جذعة ، حتى تبلغ أربعين ، فإذا بلغت أربعين ، ففيها بقرة مسنة ) . وفي صدقة الغنم يقول : ( وفي سائمة الغنم ، إذا كانت أربعين ، ففيها شاة ، إلى عشرين ومائة ) . فما بين الخمس والعشرين ، وبين الست والثلاثين من الابل وقص ، لا شئ فيها . وما بين الثلاثين ، وبين الاربعين من البقر وقص كذلك . وهكذا في الغنم . ما لا يؤخذ في الزكاة : يجب مراعاة حق أرباب الاموال عند أخذ الزكاة من أموالهم ، فلا يؤخذ من كرائمها وخيارها ، إلا إذا سمحت أنفسهم بذلك . كما يجب مراعاة حق الفقير
فلا يجوز أخذ الحيوان المعيب ، عيبا يعتبر نقصا عند ذي الخبرة بالحيوان ، إلا إذا كانت كلها معيبة وإنما تخرج الزكاة من وسط المال .
1 – ففي كتاب أبي بكر : ( ولا تؤخذ في الصدقة هرمة ( 1 ) ، ولا ذات عوار ( 2 ) ، ولا تيس ) . وعن سفيان بن عبد الله الثقفي : ( أن عمر رضي الله عنه نهى المصدق أن يأخذ الاكولة ( 3 ) ، والربى ( 4 ) ، والماخض ( 5 ) وفحل الغنم ( 6 ) ) .
3 – عن عبد الله بن معاوية الغاضري : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الايمان : من عبد الله وحده ، وأن لا إله إلا هو ، وأعطى زكاة ماله ، طيبة بها نفسه . رافدة عليه ( 7 ) كل عام ، ولا يعطى الهرمة ، ولا الدرنة ( 8 ) ولا المريضة ، ولا الشرط ( 9 ) ولا اللئيمة ( 10 ) ، ولكن من وسط أموالكم ، فإن الله لم يسألكم خيره ، ولم يأمركم بشره ) رواه أبو داود ، والطبراني ، بسند جيد . ( هامش ) ( 1 ) ( هرمة ) أي التي سقطت أسنانها . ( 2 ) ( ذات عوار ) أي العوراء . ( 3 ) ( الاكولة ) أي العاقر من الشاة . ( 4 ) ( الربى ) أي الشاة تربى في البيت للبنها . ( 5 ) ( الماخض ) أي التي حان ولادها . ( 6 ) فحل الغنم ) أي التيس المعد للنزو . ( 7 ) من الرفد ، وهو الاعانة ، أي معينة له على أداء الزكاة . ( 8 ) ( الدرنة ) أي الجرباء . ( 9 ) ( الشرط ) أي صغار المال وشراره . ( 10 ) ( اللئيمة ) أي البخيلة باللبن .
زكاة غير الانعام : لا زكاة في شئ من الحيوانات غير الانعام . فلا زكاة في الخيل والبغال والحمير ، إلا إذا كانت للتجارة . فعن علي رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( قد عفوت لكم عن الخيل والرقيق ، ولا صدقة فيهما ) رواه أحمد وأبو داود بسند جيد . وعن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الحمر ، فيها زكاة ؟ فقال : ( ما جاء فيها شئ إلا هذه الاية الفذة ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) ) رواه أحمد . وقد تقدم جميعه . وعن حارثة بن مضرب : أنه حج مع عمر فأتاه أشراف الشام ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، إنا أصبنا رقيقا ، ودواب ، فخذ من أموالنا صدقة تطهرنا بها ، وتكون لنا زكاة ، فقال : هذا شئ لم يفعله اللذان قبلي ( 1 ) ولكن انتظروا حتى أسأل المسلمين . أورده الهيثمي ، وقال : رواه أحمد ، والطبراني في الكبير ، ورجاله ثقات . وروى الزهري عن سلمان بن يسار : أن أهل الشام قالوا لابي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه : ( خذ من خيلنا ورقيقنا صدقه ، فأبى ، ثم كتب إلى عمر فأبى ، فكلموه أيضا ، فكتب إلى عمر . فكتب إليه عمر : ( إن أحبوا فخذها منهم ، وارددها عليهم ( 2 ) وارزق رقيقهم ) رواه مالك والبيهقي . ( هامش ) ( 1 ) يقصد النبي عليه الصلاة والسلام ، وأبا بكر رضي الله عنه . ( 2 ) أي على الفقراء منهم . ( . ) زكاة الفصلان والعجول والحملان ( 3 ) : من ملك نصابا من الابل ، أو البقر ، أو الغنم ، فنتجت في أثناء الحول ، وجبت زكاة الجميع ، عند تمام حول الكبار وأخرج عن الاصل وعن النتاج ، زكاة المال الواحد ، في قول أكثر أهل العلم .
( 3 ) جمع فصيل وعجل وجمل : وهي الصغار التي لم يتم لها سنة . ( . ) / صفحة 369 /
لما رواه مالك ، والشافعي ، عن سفيان بن عبد الله الثقفي أن عمر بن الخطاب قال : تعد عليهم السخلة ( 1 ) يحملها الراعي ، ولا تأخذها ، ولا تأخذ الاكولة ، ولا الربى ، ولا الماخض ولا فحل الغنم ، وتأخذ الجذعة والثنية ، وذلك عدل بين غذاء ( 2 ) المال وخياره . ويرى أبو حنيفة ، والشافعي ، وأبو ثور : أنه لا يحسب النتاج ولا يعتد به ، إلا أن تكون الكبار نصابا . وقال أبو حنيفة أيضا : تضم الصغار إلى النصاب ، سواء كانت متولدة منه ، أم اشتراها ، وتزكى بحوله . واشترط الشافعي : أن تكون متولدة من نصاب ، في ملكه قبل الحول . أما من ملك نصابا من الصغار ، فلا زكاة عليه ، عند أبي حنيفة ، ومحمد ، وداود ، والشعبي ، ورواية عن أحمد . لما رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، والدار قطني ، والبيهقي ، عن سويد بن غفلة قال : أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسمعته يقول : ( إن في عهدي أن لا تأخذ من راضع لبن ) الحديث وفي إسناده هلال بن حباب ، وقد وثقه غير واحد ، وتكلم فيه بعضهم . وعند مالك ، ورواية عند أحمد : تجب الزكاة في الصغار كالكبار ، لانها تعد مع غيرها ، فتعد منفردة . وعند الشافعي وأبي يوسف : يجب في الصغار واحدة صغيرة منها .
( 1 ) ( السخلة ) اسم يقع على الذكر والانثى ، من أولاد الغنم ، ساعة ما تضعه الشاة ، ضأنا كانت ، أو معزا . (
( 2 ) ( غذاء ) جمع غذي كفي . وهي الدخان . ( . ) ما جاء في الجمع والتفريق : 1 – عن سويد بن غفلة قال : أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
فسمعته يقول : ( إنا لا نأخذ من راضع لبن ، ولا نفرق بين مجتمع ، ولا نجمع بين متفرق . وأتاه رجل بناقة كوماء ( 3 ) فأبى أن يأخذها ) رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي .
( 3 ) ( ناقة كوماء ) أي عظيمة السنام . وأبي أن يأخذها ، لانها من خيار الماشية . ( . ) / صفحة 370 /
2 – وحدث أنس ( أن أبا بكر كتب إليه : هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين ) وفيه : ( ولا يجمع بين متفرق ، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة ، وما كان من خليطين ، فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية ) ( 1 ) رواه البخاري . قال مالك في الموطأ : معنى هذا أن يكون النفر الثلاثة لكل واحد منهم أربعون شاة ، وجبت فيها الزكاة ، فيجمعونها حتى لا يجب عليهم كلهم فيها إلا شاة واحد ( 2 ) أو يكون للخليطين مائتا شاة وشاة ، فيكون عليهما فيها ثلاث شياه ، فيفرقونها ، حتى لا يكون على كل واحد منهما إلا شاة واحدة ( 3 ) . وقال الشافعي : هو خطاب لرب المال من جهة ، وللساعي من جهة ، فأمر كل منهما أن لا يحدث شيئا ، من الجمع والتفريق خشية الصدقة . فرب المال يخشى أن تكثر الصدقة ، فيجمع ، أو يفرق لتقل ، والساعي يخشى أن تقل الصدقة ، فيجمع أو يفرق لتكثر ( 4 ) فمعنى قوله : خشية الصدقة ، أي خشية أن تكثر ، أو تقل ، فلما كان محتملا للامرين ، لم يكن الحمل على أحدهما أولى من الاخر ، فحمل عليهما معا . وعند الاحناف : أن هذا نهي للسعاة أن يفرقوا ملك الرجل الواحد ، تفريقا يوجب عليه كثرة الصدقة ، مثل رجل له عشرون ومائة شاة ، فتقسم عليه إلى أربعين ، ثلاث مرات ، لتجب فيها ثلاث شياه ، أو يجمعوا ملك رجل واحد إلى ملك رجل آخر ، حيث يوجب الجمع كثرة الصدقة . مثل أن يكون لواحد مائة شاة وشاة ، ولاخر مثلها ، فيجمعها الساعي ليأخذ ثلاث شياه ، بعد أن كان الواجب شاتين .
( 1 ) قال الخطابي : معناه ، أن يكون بينهما أربعون شاة مثلا ، لكل واحد منهما عشرون ، قد عرف كل منهما عين ماله ، فيأخذ المصدق من أحدهما فيرجع المأخوذ من ماله على شريكه بقيمة نصف شاة . ( 2 ) مثال الجمع بين المفترق . ( 3 ) تمثيل للتفريق بين المجتمع ( 4 ) كأن يكون لكل واحد من الخليطين أربعون شاة ، فيفرق الساعي بينهما ، ليأخذ منهما شاتين ، بعد أن كان عليهما شاة واحدة ، أو يكون لشخص عشرون شاة ، ولاخر مثلها ، فيجمع بينهما ، ليأخذ شاة ، بعد أن كان لا يجب على واحد منهما . ( . ) / صفحة 371 /
هل للخلطة تأثير ؟ : ذهب الاحناف : إلى أنه لا تأثير للخلطة ، سواء كانت خلطة شيوع ( 1 ) أو خلطة جوار ( 2 ) فلا تجب الزكاة في مال مشترك إلا إذا كان نصيب كل واحد يبلغ نصابا على انفراد . فإن الاصل الثابت المجمع عليه ، أن الزكاة لا تعتبر إلا بملك الشخص الواحد . وقالت المالكية : خلطاء الماشية كمالك واحد في الزكاة ولا أثر للخلطة ، إلا إذا كان كل من الخليطين يملك نصابا ، بشرط اتحاد الراعي ، والفحل ، والمراح – المبيت – ونية الخلطة ، وأن يكون مال كل واحد متمايزا عن الاخر ، وإلا كانا شريكين ، وأن يكون كل منهما أهلا للزكاة . ولا تؤثر الخلطة إلا في المواشي . وما يؤخذ من المال يوزع على الشركاء بنسبة ما لكل ، ولو كان لاحد الشركاء مال غير مخلوط اعتبر كله مخلوطا . وعند الشافعية : أن كل واحدة من الخلطتين تؤثر في الزكاة ، ويصير مال الشخصين ، أو الاشخاص كمال واحد . ثم قد يكون أثرها في وجوب الزكاة ، وقد يكون في تكثيرها ، وقد يكون في تقليلها . مثال أثرها في الايجاب : رجلان لكل واحد عشرون شاة ، يجب بالخلطة شاة ، ولو انفردا لم يجب شئ . ومثال التكثير : خلط مائة شاة وشاة بمثلها ، يجب على كل واحد شاة ونصف ، ولو انفردا ، وجب على كل واحد شاة فقط . ومثل التقليل ، ثلاثة ، لكل واحد أربعون شاة خلطوها . يجب عليهم جميعا شاة ، أي أنه يجب ثلث شاة على الواحد ، ولو انفرد لزمه شاة كاملة . واشترطوا لذلك : 1 – أن يكون الشركاء من أهل الزكاة . 2 – وأن يكون المال المختلط نصابا .
( 1 ) هي ما كان المال مشتركا ومشاعا بين الشركاء . ( 2 ) هي ما كانت ماشية كل من الخلطاء متميزة ، ولكنها متجاورة مختلطة في المراح والمسرح الخ . ( . ) / صفحة 372 /
3 – وأن يمضي عليه حول كامل . 4 – وأن لا يتميز واحد من المال عن الاخر في المراح ( 1 ) والمسرح ( 2 ) والمشرب والراعي والمحلب ( 3 ) . 5 – وأن يتحد الفحل إذا كانت الماشية من نوع واحد . وبمثل ما قالت الشافعية ، ذهب أحمد ، إلا أنه قصر تأثير الخلطة على المواشي ، دون غيرها ، من الاموال .
( 1 ) ( المراح ) أي مأواها ليلا . ( 2 ) ( المسرح ) أي المرتع الذي ترعى فيه . ( 3 ) ( المحلب ) أي الموضع الذي تحلب فيه . ( . )
زكاة الركاز والمعدن
معنى الركاز : الركاز مشتق من ركز يركز : إذا خفي ، ومنه قول الله تعالى : ( أو تسمع لهم ركزا ) أي صوتا خفيا . والمراد به هنا : ما كان من دفن الجاهلية ( 4 ) . قال مالك : الامر الذي لا اختلاف فيه عندنا ، والذي سمعت أهل العلم يقولون : ان الركاز إنما هو دفن يوجد من دفن الجاهلية ، ما لم يطلب بمال ، ولم يتكلف فيه نفقة ولا كبير عمل ، ولا مؤونة . فأما ما طلب بمال ، وتكلف فيه كبير عمل ، فأصيب مرة وأخطئ مرة فليس بركاز . وقال أبو حنيفة : هو اسم لما ركزه الخالق ، أو المخلوق .
( 4 ) ( دفن ) أي المدفون من كنوز الجاهلية ، ويعرف ذلك بكتابة أسمائهم ، ونقش صورهم ونحو ذلك ، فإن كان عليه علامة الاسلام فهو لقطة ، وليس بكنز وكذلك إذا لم يعرف ، هل هو من دفن الجاهلية أو الاسلام . ( . )
معنى المعدن وشرط زكاته عند الفقهاء : والمعدن : مشتق من عدن في المكان ، يعدن عدونا ، إذا أقام به إقامة ، ومنه قوله تعالى ( جنات عدن ) لانها دار إقامة وخلود . وقد اختلف العلماء في المعدن الذي يتعلق به وجوب الزكاة . فذهب أحمد : إلى أنه كل ما خرج من الارض مما يخلق فيها من غيرها ، مما له قيمة ، مثل الذهب ، والفضة ، والحديد ، والنحاس ، والرصاص ، والياقوت ، والزبرجد ، والزمرد ، والفيروزج ، والبلور ، والعقيق ، والكحل والزرنيخ ، والقار ( 1 ) والنفط ( 2 ) والكبريت ، والزاج ، ونحو ذلك . واشترط فيه ، أن يبلغ الخارج نصابا بنفسه ، أو بقيمته . وذهب أبو حنيفة : إلى أن الوجوب يتعلق بكل ما ينطبع ويذوب بالنار ، كالذهب ، والفضة ، والحديد والنحاس . أما المائع ، كالقار ، أو الجامد الذي لا يذوب بالنار ، كالياقوت ، فإن الوجوب لا يتعلق به ، ولم يشترط فيه نصابا ، فأوجب الخمس ، في قليله ، وكثيره . وقصر مالك ، والشافعي ، الوجوب على ما استخرج من الذهب والفضة ، واشترطا – مثل أحمد – أن يبلغ الذهب عشرين مثقالا ، والفضة مائتي درهم ، واتفقوا على أنه لا يعتبر له الحول ، وتجب زكاته حين وجوده ، مثل الزرع . ويجب فيه ربع العشر عند الثلاثة . ومصرفه مصرف الزكاة عندهم . وعند أبي حنيفة مصرفه مصرف الفئ .
( 1 ) ( القار ) أي الزفت . ( 2 ) ( النفط ) أي البترول . ( . )
مشروعية الزكاة فيهما : الاصل في وجوب الزكاة في الركاز ، والمعدن : ما رواه الجماعة عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( العجماء جرحها جبار ( 3 ) والبئر جبار ( 4 ) ، والمعدن جبار . وفي الركاز الخمس ) . قال ابن المنذر : لا نعلم أحدا خائف هذا الحديث ، إلا الحسن ، فإنه فرق بين ما وجد في أرض الحرب وأرض العرب فقال : فيما يوجد في أرض الحرب الخمس ، وفيما يوجد في أرض العرب الزكاة ( 3 ) أي إذا انفلتت بهيمة فأتلفت شيئا فهو جبار : أي هدر . ( 4 ) ( والبئر جبار ) : معناه إذا حفر إنسان بئرا فتردى فيه آخر ، فهو هدر . ( . ) / صفحة 374 /
وقال ابن القيم : وفي قوله : ( المعدن جبار ) قولان : ( أحدهما ) أنه إذا استأجر من يحفر له معدنا ، فسقط عليه ، فقتله ، فهو جبار . ويؤيد هذا القول اقترانه بقوله : البئر جبار ، والعجماء جبار . ( والثاني ) أنه لا زكاة فيه . ويؤيد هذا القول ، اقترانه بقوله : ( وفي الزكاة الخمس ) ففرق بين المعدن ، والركاز ، فأوجب الخمس في الركاز ، لانه مال مجموع يؤخذ بغير كلفة ولا تعب ، وأسقطها عن المعدن ، لانه يحتاج إلى كلفة ، وتعب ، في استخراجه . صفة الركاز الذي يتعلق به وجوب الزكاة : الركاز الذي يجب فيه الخمس ، هو كل ما كان مالا ، كالذهب والفضة ، والحديد ، والرصاص ، والصفر ، والانية ، وما أشبه ذلك . وهو مذهب الاحناف ، والحنابلة ، وإسحق ، وابن المنذر ، ورواية عن مالك ، وأحد قولي الشافعي . وله قول آخر : أن الخمس لا يجب إلا في الاثمان : الذهب والفضة . مكانه : لا يخلو موضعه من الاقسام الاتية : 1 – أن يجده في موات ، أو في أرض لا يعلم لها مالك ، ولو على وجهها ، أو في طريق غير مسلوك ، أو قرية خراب ، ففيه الخمس بلا خلاف ، والاربعة الاخماس له . لما رواه النسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة فقال : ( ما كان في طريق مأتي ( 1 ) : أو قرية عامرة ، فعرفها سنة ، فإن جاء صاحبها ، وإلا فلك ( 2 ) ، وما لم يكن في طريق مأتي ، ولا قرية عامرة : ففيه وفي الركاز الخمس ) .
( 1 ) ( مأتي ) : أي مسلوك . ( 2 ) أي إن لم يعرف صاحبها ، فهي لمن وجدها إن كان فقيرا ، وإلا تصدق بها
2 – أن يجده في ملكه المنتقل إليه ، فهو له ، لان الركاز مودع في الارض ، فلا يملك مملكها وإنما يملك بالظهور عليه فينزل منزلة المباحات ، من الحشيش ، والحطب ، والصيد الذي يجده في أرض غيره ، فيكون أحق به إلا إذا ادعى المالك الذي انتقل الملك عنه : أنه له ، فالقول قوله : لان يده كانت عليه ، لكونها على محله . وإن لم يدعه فهو لواجده ، وهذا رأي أبي يوسف والاصح عند الحنابلة . وقال الشافعي : هو للمالك قبله ، إن اعترف به وإلا فهو لمن قبله كذلك ، إلى أول مالك . وإن انتقلت الدار بالميراث حكم أنه ميراث ، فإن اتفقت الورثة على أنه لم يكن لمورثهم ، فهو لاول مالك . فإن لم يعرف أول مالك ، فهو كالمال الضائع الذي لا يعرف له مالك . وقال أبو حنيفة ومحمد : هو لاول مالك للارض ، أو لورثته ، إن عرف ، وإلا وضع في بيت المال . 3 – أن يجده في ملك مسلم ، أو ذمي ، فهو لصاحب الملك عند أبي حنيفة ومحمد ، ورواية عن أحمد . ونقل عن أحمد أنه لواجده ، وهو قول الحسن بن صالح وأبي ثور واستحسنه أبو يوسف ، لما تقدم من أن الركاز لا يملك بملك الارض ، إلا إن ادعاه المالك ، فالقول قوله ، لان يده عليه تبعا للملك ، وإن لم يدعه فهو لواجده . وقال الشافعي : هو للمالك ان اعترف به وإلا فهو لاول مالك . الواجب في الركاز : تقدم أن الركاز هو ما كان من دفن الجاهلية ، وأن الواجب فيه الخمس ، وأما الاربعة الاخماس الباقية ، فهي لاقدم مالك للارض إن عرف ، وإن كان ميتا فلورثته ، إن عرفوا ، وإلا وضع في بيت المال . وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي ومحمد . وقال أحمد وأبو يوسف : هو لمن وجده ، هذا ما لم يدعه مالك الارض . فإن ادعى أنه ملكه ، فالقول قوله اتفاقا . ويجب الخمس في قليله وكثيره ، من غير اعتبار نصاب فيه . عند أبي حنيفة ، وأحمد ، وأصح الروايتين عن مالك ، وعند الشافعي في الجديد : يعتبر النصاب فيه . وأما الحول ، فإنه لا يشترط بلا خلاف . على من يجب الخمس : جمهور العلماء : على أن الخمس واجب على من وجده ، من مسلم ، وذمي ، وكبير ، وصغير ، وعاقل ، ومجنون ، إلا أن ولي الصغير والمجنون هو الذي يتولى الاخراج عنهما . قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الذمي في الركاز يجده : الخمس ، قاله مالك ، وأهل المدينة ، والثوري ، والاوزاعي وأهل العراق ، وأصحاب الرأي ، وغيرهم . وقال الشافعي : لا يجب الخمس إلا على من تجب عليه الزكاة لانه زكاة .
مصرف الخمس : مصرف الخمس – عند الشافعي – مصرف الزكاة . لما رواه أحمد ، والبيهقي عن بشر الخثعمي ، عن رجل من قومه قال : سقطت علي جرة من دير قديمبالكوفة ، عند جباية بشر ، فيها أربعة آلاف درهم ، فذهبت بها إلى علي رضي الله عنه ، فقال : اقسمها خمسة أخماس ، فقسمتها ، فأخذ علي منها خمسا ، وأعطاني أربعة أخماس ، فلما أدبرت دعاني فقال : في جيرانك فقراء ومساكين ؟ قلت : نعم ، قال : فخذها ، فاقسمها بينهم . ويرى أبو حنيفة ، ومالك ، وأحمد ، أن مصرفه مصرف الفئ ، لما رواه الشعبي : ( أن رجلا وجد ألف دينار مدفونة ، خارجا من المدينة فأتى بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فأخذ منها الخمس ، مائتي دينار ، ودفع إلى الرجل بقيتها ، وجعل عمر رضي الله عنه يقسم المائتين ، بين من حضره من المسلمين ، إلى أن أفضل منها فضلة ، فقال : أين صاحب الدنانير ؟ فقام إليه ، فقال عمر : خذ هذه الدنانير فهي لك ) . وفي المغني : ولو كانت زكاة لخص بها ، أهلها ، ولم يرده على واجده ، ولانه يجب على الذمي ، والزكاة لا تجب عليه . زكاة الخارج من البحر الجمهور : على أن ه لا تجب الزكاة في كل ما يخرج من البحر ، من لؤلؤ ، ومرجان ، وزبرجد ، وعنبر ، وسمك ، وغيره إلا في إحدى الروايتين عن أحمد : إذا بلغ ما يخرج من ذلك نصابا ، ففيه الزكاة . ووافقه أبو يوسف ، في اللؤلؤ ، والعنبر . قال ابن عباس رضي الله عنهما : ليس في العنبر زكاة ، وإنما هو شئ دسره ( 1 ) البحر . وقال جابر : ليس في العنبر زكاة ، إنما هو غنيمة لمن أخذه .
( 1 ) ( دسره ) أي قذفه البحر . ( . )
المال المستفاد من استفاد مالا ، مما يعتبر فيه الحول – ولا مال له سواه – وبلغ نصابا ، أو كان له مال من جنسه ولا يبلغ نصابا ، فبلغ بالمستفاد نصابا ، انعقد عليه حول الزكاة من حينئذ . فإذا تم حول وجبت الزكاة فيه . وإن كان عنده نصاب لم يخل المستفاد من ثلاثة أقسام . 1 – أن يكون المال المستفاد من نمائه ، كربح التجارة ، ونتاج الحيوان ، وهذا يتبع الاصل في حوله ، وزكاته . فمن كان عنده من عروض التجارة ، أو الحيوان ، ما يبلغ نصابا ، فربحت العروض ، وتوالد الحيوان أثناء الحول ، وجب إخراج الزكاة عن الجميع : الاصل ، والمستفاد . وهذا لا خلاف فيه . 2 – أن يكون المستفاد من جنس النصاب ، ولم يكن متفرعا عنه أو متولدا منه – بأن استفاده بشراء أو هبة أو ميراث – فقال أبو حنيفة يضم المستفاد إلى النصاب ، ويكون تابعا له في الحول ، والزكاة ، وتزكى الفائدة مع الاصل . وقال الشافعي وأحمد : يتبع المستفاد الاصل في النصاب ، ويستقبل به حول جديد ، سواء كان الاصل نقدا ، أم حيوانا . مثل أن يكون عنده مائتا درهم ، ثم استفاد في أثناء الحول أخرى فإنه يزكي كلا منهما ، عند تمام حوله . ورأي مالك مثل رأي أبي حنيفة ، في الحيوان ، ومثل رأي الشافعي وأحمد في النقدين . 3 – أن يكون المستفاد من غير جنس ما عنده . فهذا لا يضم إلى ما عنده في حول ، ولا نصاب ، بل إن كان نصابا استقل به حولا ، وزكاه آخر الحول ، وإلا فلا شئ فيه ، وهذا قول جمهور العلماء . وجوب الزكاة في الذمة لا في عين المال مذهب الاحناف ، ومالك ، ورواية عن الشافعي وأحمد : أن الزكاة واجبة في عين المال . والقول الثاني للشافعي ، وأحمد : أنها واجبة في ذمة صاحب المال لا في عين المال . وفائدة الخلاف تظهر ، فيمن ملك مائتي درهم مثلا ، ومضى عليها حولان دون أن تزكى . فمن قال : إن الزكاة واجبة في العين ، قال : إنها تزكى لعام واحد فقط ، لانها بعد العام الاول ، تكون قد نقصت عن النصاب قدر الواجب فيها ، وهو خمسة دراهم . ومن قال : إنها واجبة في الذمة ، قال إنها تزكى زكاتين ، لكل حول زكاة ، لان الزكاة وجبت في الذمة ، فلم تؤثر في نقص النصاب . ورجح ابن حزم وجوبها في الذمة ، فقال : لا خلاف بين أحد من الامة – من زمننا إلى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم – في أن من وجبت عليه زكاة بر ، أو شعير ، أو تمر ، أو ذهب ، أو إبل ، أو بقر ، أو غنم ، فأعطى زكاته الواجبة عليه ، من غير ذلك الزرع ، ومن غير ذلك التمر ، ومن غير ذلك الذهب ، ومن غير تلك الفضة ، ومن غير تلك الابل ، ومن غير تلك البقر ، ومن غير تلك الغنم ، فإنه لا يمنع ذلك ، ولا يكره ذلك له ، بل سواء أعطى من تلك العين ، أو مما عنده من غيرها ، أو مما يشترى ، أو مما يوهب ، أو مما يستقرض . فصح يقينا : أن الزكاة في الذمة ، لا في العين ، إذ لو كانت في العين ، لم يحل له ألبتة ، أن يعطي من غيرها ، ولوجب منعه من ذلك كما يمنع من له شريك في شئ من كل ذلك أن يعطي شريكه ، من غير العين ، التي هم فيها شركاء ، إلا بتراضيهما ، وعلى حكم البيع . وأيضا فلو كانت الزكاة في عين المال ، لكانت لا تخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما . وذلك إما أن تكون الزكاة في كل جزء من أجزاء ذلك المال ، أو تكون في شئ منه بغير عينه . فلو كانت في كل جزء منه لحرم عليه أن يبيع منه رأسا ، أو حبة فما فوقها ، لان أهل الصدقات في ذلك الجزء شركاء ولحرم عليه أن يأكل منها شيئا لما ذكرناه ، وهذا باطل بلا خلاف ، وللزمه أيضا أن لا يخرج الشاة إلا بقيمة مصححة مما بقي ، كما يفعل في الشركات ولا بد . وإن كانت الزكاة في شئ منه بغير عينه فهذا باطل . وكان يلزم أيضا مثل ذلك ، سواء سواء . لانه كان لا يدري ، لعله يبيع أو يأكل الذي هو حق أهل الصدقة ؟ فصح ما قلنا يقينا . هلاك المال بعد وجوب الزكاة وقبل الاداء إذا استقر وجوب الزكاة في المال ، بأن حال عليه الحول ، أو حان حصاده ، وتلف المال قبل أداء زكاته ، أو تلف بعضه ، فالزكاة كلها واجبة في ذمة صاحب المال سواء كان التلف بتفريط منه ، أو بغير تفريط . وهذا معنى ، على أن الزكاة واجبة في الذمة ، وهو رأي ابن حزم ، ومشهور مذهب أحمد . ويرى أبو حنيفة : أنه إذا تلف المال كله ، بدون تعد من صاحبه ، سقطت الزكاة ، وإن هلك بعضه ، سقطت حصيته ، بناء على تعلق الزكاة بعين المال ، أما إذا هلك بسبب تعد منه ، فإن الزكاة لا تسقط . وقال الشافعي والحسن بن صالح ، وإسحق ، وأبو ثور ، وابن المنذر : إن تلف النصاب قبل التمكن من الاداء سقطت الزكاة ، وإن تلف بعده لم تسقط . ورجح ابن قدامة هذا الرأي فقال : والصحيح – إن شاء الله – أن الزكاة تسقط بتلف المال ، إذا لم يفرط في الاداء ، لانها تجب على سبيل المواساة ، فلا تجب على وجه يجب أداؤها مع عدم المال ، وفقر من تجب عليه ومعنى التفريط ، أن يتمكن من إخراجها فلا يخرجها ، وإن لم يتمكن من إخراجها ، فليس بمفرط ، سواء كان ذلك لعدم المستحق ، أو لبعد المال عنه ، أو لكون الفرض لا يوجد في المال ، ويحتاج إلى شرائه فلم يجد ما يشتريه أو كان في طلب الشراء ، أو نحو ذلك . وإن قلنا بوجوبها بعد تلف المال فأمكن المالك أداؤها أداها ، وإلا أنظر بها إلى ميسرته ، وتمكنه من أدائها ، من غير مضرة عليه ، لانه لزم إنظاره بدين الادمي ، فبالزكاة التي هي حق الله تعالى ، أولى . ضياع الزكاة بعد عزلها لو عزل الزكاة ليدفعها إلى مستحقيها ، فضاعت كلها ، أو بعضها ، فعليه إعادتها ، لانها في ذمته حتى يوصلها إلى من أمره الله بإيصالها إليه . قال ابن حزم : وروينا من طريق ابن أبي شيبة ، عن حفص بن غياث ، وجرير ، والمعتمر بن سليمان التيمي ، وزيد بن الحباب ، وعبد الوهاب بن عطاء . قال حفص : عن هشام بن حسان ، عن الحسن البصري . وقال جرير : عن المغيرة عن أصحابه . وقال المعتمر : عن معمر عن حماد ، وقال زيد : عن شعبة عن الحكم . وقال عبد الوهاب : عن ابن أبي عروبة ، عن حماد عن إبراهيم النخعي ثم اتفقوا كلهم فيمن أخرج زكاة ماله ، فضاعت : أنها لا تجزئ عنه . وعليه إخراجها ثانية . قال : وروينا عن عطاء : أنها تجزئ عنه . تأخير الزكاة لا يسقطها من مضى عليه سنون ، ولم يرد ما عليه من زكاة ، لزمه إخراج الزكاة عن جميعها ، سواء علم وجوب الزكاة ، أم لم يعلم ، وسواء كان في دار الاسلام أو في دار الحرب ( 1 ) . وقال ابن المنذر : لو غلب أهل البغي على بلد ، ولم يؤد أهل ذلك البلد الزكاة أعواما ، ثم ظفر بهم الامام ، أخذ منهم زكاة الماضي ، في قول مالك ، والشافعي ، وأبي ثور . دفع القيمة بدل العين : لا يجوز دفع القيمة بدل العين المنصوص عليها في الزكوات إلا عند عدمها ، وعدم الجنس . وذلك لان الزكاة عبادة ، ولا يصح أداء العبادة إلا على الجهة المأمور بها شرعا ، وليشارك الفقراء الاغنياء في أعيان الاموال . وفي حديث معاذ : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن ، فقال : ” خذ الحب من الحب ، والشاة من الغنم ، والبعير من الابل ، والبقرة من البقر ” . رواه أبو داود ، وابن ماجه ، والبيهقي ، والحاكم . وفيه انقطاع ، فإن عطاء لم يسمع معاذا . قال الشوكاني : ( الحق أن الزكاة واجبة من العين ، لا يعدل عنها إلى القيمة إلا لعذر ) . وجوز أبو حنيفة إخراج القيمة ، سواء قدر على العين أم لم يقدر ، فإن الزكاة حق الفقير ، ولا فرق بين القيمة والعين عنده . وقد روى البخاري – معلقا بصيغة الجزم – ان معاذا قال لاهل اليمن : ايتوني بعرض ثياب .
( 1 ) هذا مذهب الشافعي . ( . )
خميص ( 1 ) . أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة ، أهون عليكم . وخير لاصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة . الزكاة في المال المشترك إذا كان المال مشتركا بين شريكين ، أو أكثر ، لا تجب الزكاة على واحد منهم ، حتى يكون لكل واحد منهم نصاب كامل ، في قول أكثر أهل العلم . هذا في غير الخلطة في الحيوان التي تقدم الكلام عليها والخلاف فيها . الفرار من الزكاة ذهب مالك ، وأحمد ، والاوزاعي ، وإسحاق ، وأبو عبيد إلى أن من ملك نصابا ، من أي نوع من أنواع المالك ، فباعه قبل الحول ، أو وهبه ، أو أتلف جزءا منه ، بقصد الفرار من الزكاة لم تسقط الزكاة عنه ، وتؤخذ منه في آخر الحول إذا كان تصرفه هذا ، عند أقرب الوجوب ، ولو فعل ذلك في أول الحول لم تجب الزكاة ، لان ذلك ليس بمظنة للفرار . وقال أبو حنيفة والشافعي : تسقط عنه الزكاة ، لانه نقص قبل تمام الحول ، ويكون مسيئا وعاصيا لله ، بهروبه منها . استدل الاولون بقول الله تعالى : ( إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ( 2 ) ولا يستثنون ( 3 ) فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم ) ( 4 ) فعاقبهم الله بذلك ، لفرارهم من الصدقة . ولانه قصد إسقاط نصيب من انعقد سبب استحقاقه فلم يسقط ، كما لو طلق امرأته ، في مرض موته . ولانه لما قصد قصدا فاسدا ، اقتضت الحكمة معاقبته بنقيض مقصوده ، كمن قتل مورثه ، لاستعجال ميراثه ، عاقبه الشارع بالحرمان .
( 1 ) ” الخميص ” الثوب من الخز له علمان . ( 2 ) ( ليصر منها ) يقطعون ثمارها وقت الصباح . ( 3 ) يقولون : إن شاء الله . ( 4 ) ( الصريم ) الليل المظلم
مصارف الزكاة مصارف الزكاة ثمانية أصناف ، حصرها الله في قوله : ” إنما الصدقات للفقراء ( 1 ) والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم ” . وعن زياد بن الحارث الصدائي قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته ، فأتى رجل فقال : أعطني من الصدقة فقال : ” إن الله لم يرض بحكم نبي ، ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو ، فجزأها ثمانية أجزاء . فإن كنت من تلك الاجزاء أعطيتك ” رواه أبو داود . وفيه عبد الرحمن الافريقي متكلم فيه . وهذا هو بيان الاصناف الثمانية المذكورة في الاية : ( 1 و 2 ) – الفقراء والمساكين : وهم المحتاجون الذين لا يجدون كفايتهم ، ويقابلهم الاغنياء المكفيون ما يحتاجون إليه . وتقدم أن القدر الذي يصير به الانسان غنيا ، هو قدر النصاب الزائد عن الحاجة الاصلية ، له ولاولاده ، من أكل وشرب ، وملبس ، ومسكن ، ودابة ، وآلة حرفة ، ونحو ذلك ، مما لا غنى عنه . فكل من عدم هذا القدر ، فهو فقير ، يستحق الزكاة . ففي حديث معاذ : ( تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم ) .
فالذي تؤخذ منه ، هو الغني المالك للنصاب . والذي ترد إليه هو المقابل له وهو الفقير الذي لا يملك القدر الذي يملكه الغني .
( 1 ) اللام للملك ، أو الاستحقاق ، أو بتقدير مفروضة ، كمنا يدل عليه آخر الاية وهو ” فريضة من الله ” .
وليس هناك فرق بين الفقراء ، وبين والمساكين ، من حيث الحاجة والفاقة ومن حيث استحقاقهم الزكاة ، والجمع بين الفقراء والمساكين في الاية ، مع العطف المقتضي للتغاير ، لا يناقض ما قلناه ، فإن المساكين – وهم قسم من الفقراء – لهم وصف خاص بهم ، وهذا كاف في المغايرة . فقد جاء في الحديث ، ما يدل على أن المساكين هم الفقراء الذين يتعففون عن السؤال ، ولا يتفطن لهم الناس فذكرتهم الاية ، لانه ربما لا يفطن إليهم ، لتجملهم . فعن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ، ولا اللقمة واللقمتان ، إنما المسكين الذي يتعفف ، اقرءوا إن شئتم : ” لا يسألون الناس إلحافا ” وفي لفظ : ” ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان ، والتمرة والتمرتان ، ولكن المسكين الذي لا يجد غني يغنيه ، ولا يفطن له ، فيصدق عليه ، ولا يقوم فيسأل الناس ” . رواه البخاري ، ومسلم . مقدار ما يعطى الفقير من الزكاة : من مقاصد الزكاة كفاية الفقير وسد حاجته ، فيعطى من الصدقة ، القدر الذي يخرجه من الفقر إلى الغني ، ومن الحاجة إلى الكفاية ، على الدوام ، وذلك يختلف باختلاف الاحوال والاشخاص . قال عمر رضي الله عنه : إذا أعطيتم فأغنوا . يعني في الصدقة . وقال القاضي عبد الوهاب : لم يحد مالك لذلك حدا ، فإنه قال : يعطي من له المسكن ، والخادم ، والدابة الذي لا غنى له عنه . وقد جاء في الحديث ما يدل على أن المسألة تحل للفقير حتى يأخذ ما يقوم بعيشه ، ويستغني به مدى الحياة . فعن قبيصة بن مخارق الهلالي قال : تحملت حمالة ( 1 ) فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها ، فقال : ” أقم حتى تأتينا الصدقة ، فتأمر لك بها ” ، ثم قال : ” يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لاحد ثلاثة : رجل تحمل حمالة
( 1 ) ” حمالة ” أي دينا لاصلاح ذات البين .
فحلت له المسألة حتى يصيبها تم يمسك ، ورجل أصابته جائحة ( 1 ) اجتاحت ماله ، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش ” أو قال : سدادا ( 2 ) من عيش ، ورجل أصابته فاقة ( 3 ) حتى قول ثلاثة من ذوي الحجا ( 4 ) من قومه : لقد أصابت فلانا فاقة ، فحلت له المسألة ، حتى يصيب قواما من عيش ” أو قال سدادا من عيش ، ” فما سواهن من المسألة – يا قبيصة – فسحت ، يأكلها صاحبها سحتا ( 5 ) ” . رواه أحمد ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي . هل يعطى القوي المكتسب من الزكاة ؟ : القوي المكتسب لا يعطى من الزكاة مثل الغني . 1 – فعن عبيد الله بن عدي الخيار ، قال : أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة فسألاه منها ، فرفع فينا البصر وخفضه فرآنا جلدين ( 6 ) فقال : ” إن شئتما أعطيتكما ، ولا حظ فيها لغني ، ولا لقوي مكتسب ( 7 ) ” . رواه أبو داود ، والنسائي . قال الخطابي : هذا الحديث أصل ، في أن من لم يعلم له مال فأمره محمول على العدم . وفيه دليل على : أنه لم يعتبر في أمر الزكاة ظاهر القوة والجلد ، دون أن يضم إليه الكسب ، فقد يكون من الناس من يرجع إلى قوة بدنه ، ويكون مع ذلك أخرق اليد لا يعتمل ، فمن كان هذا سبيله لم يمنع من الصدقة ، بدلالة الحديث . 2 – وعن ريحان بن يزيد ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي ( 8 ) ” . رواه أبو داود والترمذي ، وصححه .
( 1 ) ” الجائحه ” أي ما أتلف المال كالحريق . ( 2 ) ” سدادا ” أي ما تقوم به حاجته ويستغنى به ، وهو بمعنى السداد . ( 3 ) فاقة ” أي الفقر والحاجة . ( 4 ) ” الحجا ” أي العقل . ( 5 ) ” السحت ” أي الحرام . ( 6 ) ” جلدين ” أي قويين . ( 7 ) أي يكتسب قدر كفايته ، قاله الشوكاني . ( 8 ) المرة : شدة أسر الخلق ، وصحة البدن التي يكون معها احتمال الكد والتعب . ” وسوي ” : سليم الاعضاء .
وهذا مذهب الشافعي ، وإسحق ، وأبي عبيد ، وأحمد . وقال الاحناف : يجوز للقوي أن يأخذ الصدقة إذا لم يملك مائتي ( 1 ) درهم فصاعدا . قال النووي : سئل الغزالي عن القوي من أهل البيوتات الذين لم تجر عادتهم بالتكسب بالبدن ، هل له أخذ الزكاة من سهم الفقراء ؟ قال : نعم . وهذا صحيح جار على أن المعتبر حرفة تليق به . المالك الذي لا يجد ما يفي بكفايته : ومن ملك نصابا ، من أي نوع من أنواع المال – وهو لا يقوم بكفايته ، لكثرة عياله ، أو لغلاء السعر – فهو غني ، من حيث إنه يملك نصابا ، فتجب الزكاة في ماله ، وفقير من حيث إن ما يملكه لا يقوم بكفايته فيعطى من الزكاة كالفقير . قال النووي : ومن كان له عقار ، ينقص دخله عن كفايته ، فهو فقير ، يعطي من الزكاة تمام كفايته ، ولا يكلف بيعه . وفي المغني قال الميمون : ذاكرت أبا عبد الله – أحمد بن حنبل – فقلت : قد يكون للرجل الابل والغنم ، تجب فيها الزكاة وهو فقير ، وتكون له أربعون شاة ، وتكون له الضيعة لا تكفيه ، فيعطى الصدقة ؟ قال : نعم ، وذلك ، لانه لا يملك ما يغنيه ، ولا يقدر على كسب ما يكفيه ، فجاز له الاخذ من الزكاة ، كما لو كان ما يملك ، لا تجب فيه الزكاة . ( 3 ) العاملون على الزكاة : وهم الذين يوليهم الامام أو نائبه ، العمل على جمعها ، من الاغنياء ، وهم الجباة ، ويدخل فيهم الحفطة لها ، والرعاة للانعام منها ، والكتبة لديوانها . ويجب أن يكونوا من المسلمين ، وأن لا يكونوا ممن تحرم عليهم الصدقة ، من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم : بنو عبد المطلب .
( 1 ) أي أقصاه . ( . ) / صفحة 387 /
فعن المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب : أنه ، والفضل بن العباس انطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ثم تكلم أحدنا ، فقال : يا رسول الله ، جئناك لتؤمرنا على هذه الصدقات ، فنصيب ما يصيب الناس من المنفعة ، ونؤدي إليك ما يؤدي الناس ، فقال : ” إن الصدقة لا تنبغي لمحمد ، ولا لال محمد ، إنما هي أوساخ الناس ” رواه أحمد ، ومسلم . وفي لفظ : ” لا تحل لمحمد ، ولا لال محمد ” . ويجوز أن يكونوا من الاغنياء . فعن أبي سعيد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” لا تحل الصدقة لغني ، إلا لخمسة : لعامل عليها ، أو رجل اشتراها بماله ، أو غارم ، أو غاز في سبيل الله ، أو مسكين ، تصدق عليه منها فأهدى منها لغني ” رواه أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه ، والحاكم ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ، وأن أخذهم من الزكاة ، إنما هو أجر نظير أعمالهم . فعن عبد الله بن السعدي : أنه قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الشام ، فقال : ألم أخبر أنك تعمل على عمل من أعمال المسلمين فتعطى عليه عمالة ( 1 ) فلا تقبلها ؟ قال : أجل ، إن لي أفراسا واعبدا ، وأنا بخير ، وأريد أن يكون عملي صدقة على المسلمين ، فقال عمر : إني أردت الذي أردت ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيني المال فأقول : أعطه من هو أفقر إليه مني ، وإنه أعطاني مرز مالا ، فقلت له : أعطه من هو أحوج إليه مني ، فقال : ” ما آتاك الله عزوجل من هذا المال ، من غير مسألة ، ولا إشراف فخذه فتموله أو تصدق به ، ومالا ، فلا تتبعه نفسك ” رواه البخاري والنسائي . وينبغي أن تكون الاجرة بقدر الكفاية . فعن المستورد بن شداد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” من ولي لنا عملا وليس له منزل فليتخذ منزلا ، أو ليست له زوجة فليتزوج ، أو ليس له خادم فليتخذ خادما ، أو ليست له دابة فليتخذ دابة ، ومن أصاب شيئا سوى ذلك فهو غال ” رواه أحمد ، وأبو داود ، وسنده صالح . قال الخطابي : هذا يتأول على وجهين :
( 1 ) رزق العامل على عمله . ( . ) / صفحة 388 /
أحدهما : أنه إنما أباح اكتساب الخادم والمسكن ، من عمالته ، التي هي أجر مثله وليس له أن يرتفق بشئ سواها . والوجه الثاني : أن للعامل السكنى والخدمة ، فإن لم يكن له مسكن ، ولا خادم استؤجر له من يخدمه ، فيكفيه مهنة مثله ، ويكترى ( 1 ) له مسكن يسكنه ، مدة مقامه في عمله . ( 4 ) والمؤلفة قلوبهم : ( 2 ) وهم الجماعة الذين يراد تأليف قلوبهم وجمعها على الاسلام أو تثبيتها عليه ، لضعف إسلامهم ، أو كف شرهم عن المسلمين ، أو جلب نفعهم في الدفاع عنهم . وقد قسمهم الفقهاء إلى مسلمين وكفار . اما المسلمون فهم اربعة : 1 – قوم من سادات المسلمين وزعمائهم ، لهم نظراء من الكفار ، إذا أعطوا رجي إسلام نطرائهم ، كما أعطى أبو بكر رضي الله عنه عدي بن حاتم ، والزبرقان بن بدر ، مع حسن إسلامهما ، لمكانتهما في قومهما . 2 – زعماء ضعفاء الايمان من المسلمين ، مطاعون في أقوامهم يرجى بإعطائهم تثبيتهم ، وقوة إيمانهم ، ومناصحتهم في الجهاد وغيره ، كالذين أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم العطايا الوافرة من غنائم هوازن . وهم بعض الطلقاء من أهل مكة ، الذين أسلموا ، فكان منهم المنافق ، ومنهم ضعيف الايمان ، وقد ثبت أكثرهم بعد ذلك ، وحسن إسلامه . 3 – قوم من المسلمين في الثغور ، وحدود بلاد الاعداء يعطون ، لما يرجى من دفاعهم ، عما وراءهم من المسلمين إذا هاجمهم العدو . قال صاحب المنار : وأقول : إن هذا العمل هو المرابطة وهؤلاء الفقهاء يدخلونها في سهم سبيل الله ، كالغزو المقصود منها : وأولى منهم بالتأليف في زماننا ، قوم من المسلمين يتألفهم الكفار ليدخلوهم تحت حمايتهم ، أو في دينهم .
( 1 ) ” يكترى ” أي يستأجر . ( 2 ) هذا الكلام منقول من تفسير المنار . (
فإننا نجد دول الاستعمار الطامعة في استعباد جميع المسلمين ، وفي ردهم عن دينهم يخصصون من أموال دولهم سهما ، للمؤلفة قلوبهم من المسلمين ، فمنهم من يؤلفونه لاجل تنصيره ، وإخراجه من حظيرة الاسلام ، ومنهم من يؤلفونه لاجل الدخول في حمايتهم ومشاقة الدول الاسلامية ، والوحدة الاسلامية ، أفليس المسلمون أولى بهذا منهم ؟ 4 – قوم من المسلمين يحتاج إليهم لجبابة الزكاة ، وأخذها ممن لا يعطيها إلا بنفوذهم وتأثيرهم – إلا أن يقاتلوا ، فيختار بتأليفهم وقيامهم بهذه المساعدة للحكومة أخف الضررين ، أرجح المصلحتين . وأما الكفار فهم قسمان : 1 – من يرجى إيمانه بتأليفه ، مثل صفوان بن أمية ، الذي وهب له النبي صلى الله عليه وسلم الامان يوم فتح مكة ، وأمهله أربعة أشهر لينظر في أمره ويختار لنفسه ، وكان غائبا ، فحضر وشهد مع المسلمين غزوة حنين قبل إسلامه . وكان النبي صلى الله عليه وسلم استعار سلاحه منه لما خرج إلى حنين ، وقد أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم إبلا كثيرة محملة ، كانت في واد فقال : هذا عطاء من لا يخشى الفقر . وقال : والله لقد أعطاني النبي صلى الله عليه وسلم وإنه لابغض الناس إلي ، فما زال يعطيني حتى إنه لاحب الناس إلي . 2 – من يخشى شره ، فيرجى بإعطائه كف شره . قال ابن عباس : إن قوما كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن أعطاهم ، مدحوا الاسلام ، وقالوا : هذا دين حسن ، وإن منعهم ، ذموا ، وعابوا . وكان من هؤلاء أبو سفيان بن حرب ، والاقرع بن حابس ، وعيينة ابن حصن ، وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد من هؤلاء ، مائة من الابل . وذهبت الاحناف : إلى أن سهم المؤلفة قلوبهم قد سقط بإعزاز الله لدينه ، فقد جاء عيينة بن حصن ، والاقرع بن حابس ، وعباس بن مرداس ، وطلبوا من أبي بكر نصبهم ، فكتب لهم به ، وجاءوا إلى عمر ، وأعطوه الخط ، فأبى ومزقه ، وقال : هذا شئ كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيكموه ، تأليفا لكم على الاسلام ، والان قد أعز الله الاسلام ، وأغنى عنكم ، فإن ثبتم على الاسلام ، وإلا فبيننا وبينكم السيف ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) فرجعوا إلى أبي بكر رضي الله عنه ، فقالوا : الخليفة أنت أم عمر ؟ بذلت لنا الخط فمزقه عمر ، فقال : هو إن شاء . قالوا : إن أبا بكر وافق عمر ، ولم ينكر أحد من الصحابة كما أنه لم ينقل عن عثمان وعلي أنهما أعطيا أحدا من هذا الصنف . ويجاب عن هذا : بأن هذا اجتهاد من عمر ، وأنه رأى أنه ليس من المصلحة إعطاء هؤلاء ، بعد أن ثبت الاسلام في أقوامهم ، وأنه لا ضرر يخشى من ارتدادهم عن الاسلام . وكون عثمان وعلي لم يعطيا أحدا من هذا الصنف ، لا يدل على ما ذهبوا إليه ، من سقوط سهم المؤلفة قلوبهم ، فقد يكون ذلك لعدم وجود الحاجة إلى أحد من الكفار ، وهذا لا ينافي ثبوته ، لمن احتاج إليه من الائمة ، على أن العمدة في الاستدلال هو الكتاب والسنة فهما المرجع الذي لا يجوز العدول عنه بحال . وقد روى أحمد ، ومسلم عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يسأل شيئا على الاسلام إلا أعطاه ، فأتاه رجل فسأله ، فأمر له بشاء كثير ، بين جبلين ، من شاء الصدقة ، فرجع إلى قومه فقال ، يا قوم أسلموا ، فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة . قال الشوكاني : وقد ذهب إلى جواز التأليف العترة والجباني ، والبلخي ، وابن مبشر ( 1 ) . وقال الشافعي : لا تتألف كافرا ، فأما الفاسق فيعطى من سهم التأليف . وقال أبو حنيفة وأصحابه : قد سقط بانتشار الاسلام وغلبته ، واستدلوا على ذلك ، بامتناع أبي بكر من إعطاء أبي سفيان ، وعيينة ، والاقرع ، وعباس ابن مرداس . والظاهر جواز التأليف عند الحاجة إليه . فإذا كان في زمن الامام قوم لا يطيعونه إلا للدنيا ، ولا يقدر على إدخالهم تحت طاعته إلا بالقسر ( 2 ) والغلب
( هامش ) ( 1 ) وكذا مالك ، وأحمد ، ورواية عن الشافعي . ( 2 ) القهر .
فله أن يتألفهم ، ولا يكون لفشو الاسلام تأثير ، لانه لم ينفع في خصوص هذه الواقعة . وفي المنار : ” وهذا هو الحق في جملته ، وإنما يجئ الاجتهاد في تفصيله من حيث الاستحقاق ، ومقدار الذي يعطى من الصدقات ، ومن الغنائم إن وجدت ، وغيرها من أموال المصالح . والواجب فيه الاخذ برأي أهل الشورى ، كما كان يفعل الخلفاء في الامور الاجتهادية ، وفي اشتراط العجز عن إدخال الامام إياهم تحت طاعته بالغلب نظر ، فإن هذا لا يطرد ، بل الاصل فيه ترجيح أخف الضررين . وخير المصلحتين ” . ( 5 ) وفي الرقاب : ويشمل المكاتبين ، والارقاء فيعان المكاتبون بمال الصدقة لفك رقابهم من الرق ، ويشترى به العبيد ، ويعتقون .
فعن البراء قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ، دلني على عمل يقربني من الجنة ، ويبعدني من النار ، فقال : ” أعتق النسمة وفك الرقبة ” فقال : يا رسول الله ، أو ليسا واحدا ؟ قال : ” لا ، عتق الرقبة ، أن تنفرد بعتقها ، وفك الرقبة أن تعين بثمنها ” رواه أحمد ، والدارقطني ورجاله ثقات . وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” ثلاثة كلهم حق على الله عونه : الغازي في سبيل الله ، والمكاتب الذي يريد الاداء ، والناكح والمتعفف ( 1 ) ” رواه وأحمد ، وأصحاب السنن ، وقال الترمذي : حسن صحيح . قال الشوكاني : ” قد اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى : ” وفي الرقاب ” فروي عن علي بن أبي طالب ، وسعيد بن جبير ، والليث ، والثوري ، والعترة ، والحنفية ، والشافعية ، وأكثر أهل العلم : أن المراد به المكاتبون ، من الزكاة على الكتابة . وروي عن ابن عباس ، والحسن البصري ، ومالك ، وأحمد بن حنبل ،
( 1 ) الذي يريد العفاف بالزواج ( . ) / صفحة 392 /
وأبي ثور ، وأبي عبيد – وإليه مال البخاري ، وابن المنذر – : أن المراد بذلك أنها تشترى رقاب لتعتق . واحتجوا بأنها لو اختصت بالمكاتب لدخل في حكم الغارمين ، لانه غارم ، وبأن شراء الرقبة لتعتق أولى من إعناة المكاتب ، لانه قد يعان ولا يعتق ، لان المكاتب عبد ، ما بقي عليه درهم ، ولان الشراء يتيسر في كل وقت ، بخلاف الكتابة . وقال الزهري : إنه يجمع بين الامرين ، وإليه أشار المصنف ( 1 ) وهو الظاهر ، لان الاية تحتمل الامرين . وحديث البراء المذكور ، فيه دليل على أن فك الرقاب غير عتقها ، وعلى أن العتق ، وإعانة المكاتبين على مال الكتاب ، من الاعمال المقربة إلى الجنة والمبعدة من النار . ( 6 ) والغارمون : وهم الذين تحملوا الديون ، وتعذر عليهم أداؤها ، وهم أقسام : فمنهم من تحمل حمالة ، أو ضمن دينا فلزمه ، فأجحف بماله أو استدان لحاجته إلى الاستدانة ، أو في معصية تاب منها ، فهؤلاء جميعا يأخذون من الصدقة ما بقي بديونهم . 1 – روى أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه ، والترمذي ، وحسنه ، عن أنس رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” لا تحل المسألة إلا لثلاث ، لذي فقر مدقع ( 2 ) أو لذى غرم ( 3 ) مفظع ( 4 ) ، أو لذي دم موجع ( 5 ) ” 2 – وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : أصيب
( 1 ) مؤلف كتاب منتفى الاخبار . ( 2 ) ” مدقع ” أي شديد ، أي ملصق صاحبه بالدقعاء ، وهي الارض التي لا نبات فيها . ( 3 ) ” غرم ” أي ما يلزم أداؤه تكلفا ، لا في مقابلة عوض . ( 4 ) ” مفظع ” أي شديد : شنيع ، مجاوز للحد . ( 5 ) هو الذي يتحمل دية عن قريبه ، أو صديقه القاتل ، يدفعها إلى أولياء المقتول ، وإن لم يدفعها قتل قريبه ، أو صديقه القاتل ، الذي يتوجع لقتله وإراقة دمه . ( . ) / صفحة 393 /
رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها ( 1 ) ، فكثر دينه ، فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم : ” تصدقوا عليه ” ، فتصدق الناس عليه ، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لغرمائه . ” خذوا ما وجدتم ، وليس لكم إلا ذلك ( 2 ) ” 3 – وتقدم حديث قبيصة بن مخارق قال : تحملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها ، فقال : ” أقم حتى تأتينا الصدقة فتأمر لك بها ” الحديث . قال العلماء : والحمالة ، ما يتحمله الانسان ، ويلتزمه في ذمته بالاستدانة ، ليدفعه في إصلاح ذات البين ، وقد كانت العرب إذا وقعت بينهم فتنة ، اقتضت غرامة في دية ، أو غيرها : قام أحدهما فتبرع بالتزام ذلك والقيام به ، حتى ترتفع تلك الفتنة الثائرة ، ولا شك أن هذا من مكارم الاخلاق . وكانوا إذا علموا أن أحدهم تحمل حمالة بادروا إلى معونته ، وأعطوه ما تبرأ به ذمته ، وإذا سأل في ذلك لم يعد نقصا في قدره ، بل فخرا . ولا يشترط في أخذ الزكاة فيها ، أن يكون عاجزا عن الوفاء بها ، بل له الاخذ ، وإن كان في ماله الوفاء . ( 7 ) وفي سبيل الله : سبيل الله ، الطريق الموصل إلى مرضاته من العلم ، والعمل . وجمهور العلماء ، على أن المراد به هنا الغزو ، وأن سهم ( سبيل الله ) يعطى للمتطوعين من الغزاة ، الذين ليس لهم مرتب من الدولة . فهؤلاء لهم سهم من الزكاة ، يعطونه ، سواء كانوا من الاغنياء أم الفقراء . وقد تقدم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة . الغازي في سبيل الله . . الخ ” .
( 1 ) أي من أجل ثمار اشتراها . ( 2 ) أي ليس لكم الان إلا الموجود وليس لكم حبسه ما دام معسرا فليس فيه إبطال حق الغرماء فيما بقي . ( . ) / صفحة 394 /
والحج ليس من سبيل الله . التي تصرف فيها الزكاة ، لانه مفروض على المستطيع ، دون غيره . وفي تفسير المنار : ” يجوز الصرف من هذا السهم على تأمين طرق الحج ، وتوفير الماء ، والغذاء وأسباب الصحة للحجاج ، إن لم يوجد لذلك مصرف آخر . ” وفيه : ” وفي سبيل الله ” وهو يشتمل سائر المصالح الشرعية العامة ، التي هي ملاك أمر الدين ، والدولة : وأولها ، وأولاها بالتقديم ، الاستعداد للحرب ، بشراء السلاح ، وأغذية الجند ، وأدوات النقل ، وتجهيز الغزاة . ولكن الذي يجهز به الغازي يعود بعد الحرب إلى بيت المال ، إن كان مما يبقى ، كالسلاح ، والخيل ، وغير ذلك ، لانه لا يملكه دائما ، بصفة الغزو التي قامت به ، بل يستعمله في سبيل الله ، ويبقى بعد زوال تلك الصفة منه في سبيل الله ، بخلاف الفقير ، والعامل عليها ، والغارم والمؤلف ، وابن السبيل ، فإنهم لا يردون ما أخذوا ، بعد فقد الصفة التي أخذوا بها . ويدخل في عمومه إنشاء المستشفيات العسكرية ، وكذا الخيرية العامة ، وإشراع الطرق ، وتعبيدها ، ومد الخطوط الحديدية العسكرية ، لا التجارية ، ومنها بناء البوارج المدرعة ، والمناطيد ، والطيارات الحربية ، والحصون ، والخنادق . ومن أهم ما ينفق في سبيل الله ، في زماننا هذا ، إعداد الدعاة إلى السلام ، وإرسالهم إلى بلاد الكفار ، من قبل جمعيات منظمة تمدهم بالمال الكافي ، كما يفعله الكفار في نشر دينهم . ويدخل فيه النفقة على المدارس ، للعلوم الشرعية ، وغيرها مما تقوم به المصلحة العامة . وفي هذه الحالة يعطى منها معلمو هذه المدارس ، ما داموا يؤدون وظائفهم المشروعة ، التي ينقطعون بها عن كسب آخر ولا يعطى عالم غني لاجل علمه ، وإن كان يفيد الناس به . انتهى . ( 8 ) وابن السبيل : اتفق العلماء على أن المسافر المنقطع عن بلده يعطى من الصدقة ، ما يستعين به على تحقيق مقصده ، إذا لم يتيسر له شئ من ماله ، نظرا لفقره العارض . واشترطوا أن يكون سفره في طاعة ، أو في غير معصية . واختلفوا في السفر المباح . والمختار عند الشافعية : أنه يأخذ من الصدقة ، حتى لو كان السفر للتفرج ، والتنزه . . وابن السبيل عند الشافعية قسمان : ( 1 ) من ينشئ سفرا من بلد مقيم به ، ولو كان وطنه . ( 2 ) غريب مسافر ، يجتاز بالبلد . وكلاهما له الحق في الاخذ من الزكاة ، ولو وجد من يقرضه كفايته ، وله ببلده ، ما يقتضي به دينه . وعند مالك ، وأحمد : ابن السبيل المستحق للزكاة ، يختص بالمجتاز دون المنشئ ولا يعطى من الزكاة من إذا وجد مقرضا يقرضه وكان له من المال ببلده ، ما يفي بقرضه . فإن لم يجد مقرضا ، أو لم يكن له مال يقضى منه قرضه ، أعطي من الزكاة . توزيع الزكاة على المستحقين ، كلهم ، أو بعضهم : الاصناف الثمانية ، المستحقون للزكاة ، المذكورون في الاية هم : الفقراء والمساكين ، والعاملون عليها ، والمؤلفة قلوبهم ، والارقاء ، والغارمون وأبناء السبيل ، والمجاهدون . وقد اختلف الفقهاء في توزيع الصدقة عليهم : فقال الشافعي واصحابه : إن كان مفرق الزكاة هو المالك أو وكيله ، سقط نصيب العامل ، ووجب صرفها إلى الاصناف السبعة الباقين ، إن وجدوا وإلا فللموجود منهم ، ولا يجوز ترك صنف منهم ، مع وجوده ، فإن تركه ضمن نصيبه . وقال إبراهيم النخعي : إن كان المال كثيرا ، يحتمل الاجزاء قسمه على الاصناف . وإن كان قليلا جاز أن يوضع في صنف واحد . وقال أحمد بن حنبل : تفريقها أولى ، ويجزئه أن يضعه في صنف واحد . وقال مالك : يجتهد ويتحرى موضع الحاجة منهم ، ويقدم الاولى فالاولى ، من أهل الخلة ( 1 ) والفاعة ، فإن رأى الخلة في الفقراء في عام ، أكثر قدمهم ، وإن رآهم في أبناء السبيل في عام آخر ، حولها إليهم . وقالت الاحناف . وسفيان الثوري : هو مخير يضعها في أي الاصناف شاء . وهذا مروي عن حذيفة ، وابن عباس ، وقول الحسن البصري ، وعطاء ابن أبي رباح . وقال أبو حنيفة : وله صرفها إلى شخص واحد ، من أحد الاصناف . سبب اختلافهم ومنشؤه : قال ابن رشد : ” وسبب اختلافهم معارضة اللفظ للمعنى ، فإن اللفظ يقتضي القسمة بين جميعهم ، والمعنى يقتضي أن يؤثر بها أهل الحاجة ، إذ كان المقصود بها سد الخلة ، فكان تعديدهم في الاية عند هؤلاء إنما ورد لتمييز الجنس – أعني أهل الصدقات – لا تشريكهم في الصدقة . فالاول أظهر من جهة اللفظ ، وهذا أظهر من جهة المعنى . ” ومن الحجة للشافعي ، ما رواه أبو داود عن الصدائي : أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه من الصدقة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن الله لم يرض أن يحكم نبي ولا غيره في الصدقات ، حتى حكم فيها ، فجزأها ثمانية أجزاء ، فإن كنت من تلك الاجزاء أعطيتك حقك ” .
( هامش ) ( 1 ) ” الخلة ” بفتح الخاء : الحاجة
ترجيح رأي الجمهور على رأي الشافعي : قال في الروضة الندية : ” وأما صرف الزكاة كلها في صنف واحد ، فهذا المقام خليق بتحقيق الكلام . والحاصل : أن الله سبحانه وتعالى جعل الصدقة مختصة بالاصناف الثمانية ، غير سائغة لغيرهم . واختصاصها بهم لا يستلزم أن تكون موزعة بينهم على السوية ، ولا أن يقسط كل ما حصل من قليل أو كثير عليهم . بل المعنى أن جنس الصدقات ، لجنس هذه الاصناف . فمن وجب عليه شئ من جنس الصدقة ، ووضعه في جنس الاصناف ، فقد فعل ما أمره الله به ، وسقط عنه ما أوجبه الله عليه ، ولو قيل : إنه يجب على المالك – إذا حصل له شئ تجب فيه الزكاة – تقسيطه على جميع الاصناف الثمانية ، على فرض وجودهم جميعا ، لكان ذلك – مع ما فيه من الحرج والمشقة – مخالفا لما فعله المسلمون ، سلفهم ، وخلفهم . وقد يكون الحاصل شيئا حقيرا ، لو قسط على جميع الاصناف لما انتفع كل صنف بما حصل له ولو كان نوعا واحدا ، فضلا عن أن يكون عددا . إذا تقرر لك هذا ، لاح لك عدم صلاحية ما وقع منه ، صلى الله عليه وسلم من الدفع إلى سلمة بن صخر ( 1 ) من الصدقات للاستدلال بها . ولم يرد ما يقتضي إيجاب توزيع كل صدقة على جميع الاصناف . وكذلك لا يصلح للاحتجاج حديث أمره صلى عليه وسلم لمعاذ : أن يأخذ الصدقة من أغنياء أهل اليمن ويردها في فقرائهم ، لان تلك أيضا صدقة جماعة من المسلمين وقد صرفت في جنس الاصناف . وكذلك حديث زياد بن الحارث الصدائي . وذكر الحديث المتقدم ، ثم قال : لان في إسناده عبد الرحمن بن زياد الافريقي ، وقد تكلم فيه غير واحد ، وعلى فرض صلاحيته للاحتجاج ، فالمراد بتجزئة مصارفها ، كما هو ظاهر الاية التي قصدها صلى الله عليه وسلم : ولو كان
( 1 ) كان عليه كفارة لم يجدها . فأمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأخذها من صاحب صدقة بني زريق ويؤدي كفارته منها
المراد تجزئة الصدقة نفسها ، وأن كل جزء لا يجوز صرفه في غير الصنف المقابل له ، لما جاز صرف نصيب ما هو مغدوم من الاصناف إلى غيره ، وهو خلاف الاجماع من المسلمين . وأيضا لو سلم ذلك ، لكان باعتبار مجموع الصدقات التي تجتمع عند الامام ، لا باعتبار صدقة كل فرد ، فلم يبق ما يدل على وجوب التقسيط بل يجوز إعطاء بعض المستحقين بعض الصدقات ، وإعطاء بعضهم بعضا آخر . نعم إذا جمع الامام جميع صدقات أهل قطر من الاقطار ، وحضر عنده جميع الاصناف الثمانية ، كان لكل صنف حق في مطالبته بما فرضه الله ، وليس عليه تقسيط ذلك بينهم بالسوية ولا تعميمهم بالعطاء ، بل له أن يعطي بعض الاصناف أكثر من البعض الاخر ، وله أن يعطي بعضهم دون بعض ، إذا رأى في ذلك صلاحا عائدا على الاسلام وأهله . مثلا إذا جمعت لديه الصدقات ، وحضر الجهاد ، وحقت المدافعة عن حوزة الاسلام من الكفار ، أو البغاة ، فإن له إيثار صنف المجاهدين بالصرف إليهم ، وإن استغرق جميع الحاصل من الصدقات ، وهكذا إذا اقتضت المصلحة إيثار غير المجاهدين ( 1 ) ” من يحرم عليهم الصدقة ذكرنا فيما سبق مصارف الزكاة ، وأصناف المستحقين ، وبي أن نذكر أصنافا لا تحل لهم الزكاة ، ولا يستحقونها وهم : 1 – الكفرة والملاحدة ، وهذا مما اتفقت عليه كلمة الفقهاء . ففي الحديث ” تؤخذ من أغنيائهم ، وترد على فقرائهم ” . والمقصود بهم أغنياء المسلمين وفقراؤهم دون غيرهم . قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الذمي لا يعطى من زكاة الاموال شيئا . ويستثنى من ذلك المؤلفة قلوبهم كما تقدم بيانه .
( 1 ) هذا هو أرجح الاراء وأحقها .
ويجوز أن يعطوا ( 1 ) من صدقة التطوع ، ففي القرآن : ” ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ” . وفي الحديث : ” صلي أمك ” وكانت مشركة . 2 – بنو هاشم : والمراد بهم آل علي وآل عقيل ، وآل جعفر ، وآل العباس ، وآل الحارث . قال ابن قدامة : لا نعلم خلافا في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” إن الصدقة لا تنبغي لال محمد ، إنما هي أوساخ الناس ” رواه مسلم . وعن أبي هريرة قال : أخذ الحسن تمرة من تمر الصدقة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” كخ كخ ، لطرحها ، أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة ” متفق عليه . واختلف العلماء في بني المطلب ، فذهب الشافعي : إلى أنه ليس لهم الاخذ من الزكاة ، مثل بني هاشم . لما رواه الشافعي ، وأحمد ، والبخاري ، عن جبير بن مطعم قال : لما كان يوم خيبر ، وضع النبي صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى في بني هاشم وبني المطلب ، وترك بني نوفل ، وبني عبد شمس ، فأتيت أنا ، وعثمان ابن عفان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم ، لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك الله به منهم ، فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا ، وقرابتنا واحدة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” إنا وبني المطب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام ، وإنما نحن وهم شئ واحد ، وشبك بين أصابعه .
قال ابن حزم : فصح أنه لا يجوز أن يفرق بين حكمهم ، في شئ أصلا ، لانهم شئ واحد بنص كلامه ، عليه الصلاة والسلام ، فصح أنهم آل محمد ، وإذ هم آل محمد ، فالصدقة عليهم حرام .
( 1 ) أن يعطوا ” الخ ” أي يجوز إعطاء صدقة التطوع للذميين . ( . ) / صفحة 400 /
وعن أبي حنيفة ، أن لبني المطلب أن يأخذوا من الزكاة ، والرأيان روايتان عن أحمد . وكما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة على بني هاشم ، حرمها كذلك على مواليهم ( 1 ) . فعن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة ، فقال : أصحبني كيما تصيب منها ، قال : لا ، حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسأله ، وانطلق فسأله فقال : ” إن الصدقة لا تحل لنا ، وإن موالي القوم من أنفسهم ” رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وقال : حسن صحيح . واختلف العلماء في صدقة التطوع ، هل تحل لهم أم تحرم عليهم ؟ . قال الشوكاني : ملخصا الاقوال في ذلك – واعلم أن ظاهر قوله : ” لا تحل لنا الصدقة ” عدم حل صدقة الفرض والتطوع ، وقد نقل جماعة ، منهم الخطابي ، الاجماع على تحريمهما عليه ، صلى الله عليه وسلم . وتعقب بأنه قد حكى غير واحد عن الشافعي في التطوع قولا . وكذا في رواية عن أحمد . وقال ابن قدامة : ليس ما نقل عنه من ذلك بواضح الدلالة . وأما آل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد قال أكثر الحنفية وهو الصحيح عن الشافعية ، والحنابلة ، وكثير من الزيدية – إنها تجوز لهم صدقة التطوع دون الفرض ، قالوا : لان المحرم عليهم إنما هو أوساخ الناس ، وذلك هو الزكاة لا صدقة التطوع . وقال في البحر : إنه خصص صدقة التطوع القيلس على الهبة ، والهدية والوقف . وقال أبو يوسف ، وأبو العباس ، إنها تحرم عليهم كصدقة الفرض ، لان الدليل لم يفصل ( 2 ) .
( 1 ) ” مواليهم ” أي الارقاء الذين أعتقوهم . ( 2 ) هذا هو الراجح . ( . ) / صفحة 401 /
( 3 و 4 ) الاباء والابناء : اتفق الفقهاء : على أنه لا يجوز إعطاء الزكاة إلى الاباء والاجداد ، والامهات ، والجدات ، والابناء ، وأبناء الابناء ، والبنات وأبنائهن ، لانه يجب على المزكي أن ينفق على آبائه وإن علوا ، وأبنائه ، وإن نزلوا ، وإن كانوا فقراء ، فهم أغنياء بغناه ، فإذا دفع الزكاة إليهم فقد جلب لنفسه نفعا ، بمنع وجوب النفقة عليه . واستثنى مالك الجد ، والجدة ، وبني البنين ، فأجاز دفعها إليهم لسقوط نفقتهم ( 1 ) . هذا في حالة ما إذا كانوا فقراء ، فإن كانوا أغنياء ، وغزوا متطوعين في سبيل الله ، فله أن يعطيهم من سهم سبيل الله ، كما له أن يعطيهم من سهم الغارمين ، لانه لا يجب عليه أداء ديونهم ، ويعطيهم كذلك من سهم العاملين ، إذا كانوا بهذه الصفة . ( 5 ) الزوجة : قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة . وسبب ذلك ، أن نفقتها واجبة عليه ، تستغنى بها عن أخذ الزكاة ، مثل الوالدين ، إلا إذا كانت مدينة فتعطى من سهم الغارمين ، لتؤدي دينها . ( 6 ) صرف الزكاة في وجوه القرب : لا يجوز صرف الزكاة إلى القرب التي يتقرب بها إلى الله تعالى ، غير ما ذكره في آية : ” إنما الصدقات للفقراء والمساكين ” فلا تدفع لبناء المساجد والقناطر ، وإصلاح الطرقات ، والتوسعة على الاضياف ، وتكفين الموتى وأشباه ذلك . قال أبو داود : سمعت أحمد – وسئل – يكفن الموتى من الزكاة ؟
( 1 ) يرى ابن تيمية أنه يجوز دفع الزكاة إلى الوالدين ، إذا كان لا يستطيع أن ينفق عليهم وكانوا هم في حاجة إليها
قال : لا ، ولا يقضى من الزكاة دين الميت ( 1 ) وقال : يقضى من الزكاة دين الحى ، ولا يقضى منها دين الميت . لان الميت لا يكون غارما . قيل : فانما يعطى أهله . قال : إن كانت على أهله فنعم . من الذي يقوم بتوزيع الزكاة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث نوابه ، ليجمعوا الصدقات ، ويوزعها على المستحقين ، وكان أبو بكر وعمر يفعلان ذلك . لا فرق بين الاموال الظاهرة والباطنة ( 2 ) فلما جاء عثمان ، سار على النهج زمنا ، إلا أنه لما رأى كثرة الاموال الباطنة ، ووجد أن في تتبعها حرجا على الامة وفي تفتيشها ضررا بأربابها ، فوض أداء زكاتها إلى أصحاب الاموال . وقد اتفق الفقهاء على أن الملاك هم الذين يتولون تفريق الزكاة بأنفسهم ، إذا كانت الزكاة زكاة الاموال الباطنة . لقول السائب بن يزيد : سمعت عثمان بن عفان يخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : هذا شهر زكاتكم ، فمن كان منكم عليه دين فليقض دينه ، حتى تخلص أموالكم فتؤدوا منها الزكاة . رواه البيهقي بإسناد صحيح . وقال النووي : ونقل أصحابنا فيه إجماع المسلمين . وإذا كان للملاك أن يفرقوا زكاة أموالهم الباطنة فهل هذا هو الافضل ؟ أم الافضل أن يؤدوها للامام ليقوم بتوزيعها ؟ . المختار عند الشافعية : أن الدفع إلى الامام ، إذا كان عادلا أفضل . وعند الحنابلة : الافضل أن يوزعها بنفسه ، فإن أعطاها للسلطان فجائز
( 1 ) لان الغارم هو الميت ، ولا يمكن الدفع إليه وإن دفعها للغريم صار الدفع إلى الغريم ، لا إلى الغارم . ( 2 ) الاموال الظاهرة هي الزروع والثمار والمواشي والمعادن ، والباطنة ، هي عروض التجارة والذهب والفضة والركاز . (
أما إذا كانت الاموال ظاهرة ، فإمام المسلمين ونوابه هم الذين لهم ولاية الطلب ، والاخذ ، عند مالك ، والاحناف . ورأي الشافعية والحنابلة في الاموال الظاهرة كرأيهم في الاموال الباطنة . براءة رب المال بالدفع إلى الامام مع العدل والجور : إذا كان للمسلمين إمام يدين بالاسلام دفع الزكاة إليه عادلا كان أم جائرا ، وتبرأ ذمة رب المال بالدفع إليه . إلا انه إذا كان لا يضع الزكاة موضعها ، فالافضل له أن يفرقها بنفسه على متسحقيها إلا إذا طلبها الامام أو عامله عليها ( 1 ) . فعن أنس قال : أتى رجل من بني تميم ، رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : حسبي يا رسول الله ، إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” نعم ، إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها ، فلك أجرها ، وإثمها على من بدلها ” . رواه أحمد . 2 – وعن ابن مسعود رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إنها ستكون بعدي أثرة ( 2 ) ، وأمور تنكرونها . قالوا : يا رسول الله فما تأمرنا ، قال : ” تؤدون الحق الذي عليكم ، وتسألون الله الذي لكم ” . رواه البخاري ، ومسلم . 3 – وعن وائل بن حجر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يسأله – فقال : أرأيت ان كان علينا أمراء يمنعوننا حقهم ؟ فقال : ” اسمعوا وأطيعوا ، فإنما عليهم ما حملوا ، وعليكم ما حملتم ” رواه مسلم . قال الشوكاني : والاحاديث المذكورة في الباب ، استدل بها الجمهور على جواز دفع الزكاة إلى سلاطين الجور ، وإجزائها . هذا بالنسبة لامام المسلمين في دار الاسلام . وأما إعطاء الزكاة للحكومات المعاصرة . فقال الشيخ رشيد رضا :
( 1 ) هذا ، ولا يشترط أن يقول المعطي للزكاة – سواء أكان الامام أم رب المال – أن يقول للفقير : إنها زكاة ، بل يكفي مجرد الاعطاء . ( 2 ) ” الاثرة ” استئثار الاناسن بالشئ دون إخوانه
” ولكن أكثر المسلمين لم يبق لهم في هذا العصر حكومات إسلامية ، تقيم الاسلام بالدعوة إليه ، والدفاع عنه والجهاد الذي يوجبه وجوبا عينيا ، أو كفائيا ، وتقيم حدوده ، وتأخذ الصدقات المفروضة ، كما فرضها الله ، وتضعها في مصارفها التي حددها – بل سقط اكثرهم تحت سلطة دول الافرنج ، وبعضهم تحت سلطة حكومات مرتدة عنه ، أو ملحدة فيه . ولبعض الخاضعين لدون الافرنج رؤساء من المسلمين الجغرافيين ، اتخذهم الافرنج آلات لاخضاع الشعوب لهم ، باسم الاسلام حتى فيما يهدمون به الاسلام ، ويتصرفون بنفوذهم وأموالهم الخاصة بهم ، فيما له صفة دينية ، من صدقات الزكاة ، والاوقاف وغيرهما . فأمثال هذه الحكومات ، لا يجوز دفع شئ من الزكاة لها ، مهما يكن لقب رئيسها ، ودينه الرسمي . وأما بقايا الحكومات الاسلامية ، التي يدين أئمتها ورؤساؤها بالاسلام ، ولا سلطان عليهم للاجانب في بيت مال المسلمين ، فهي التي يجب أداء الزكاة الظاهرة لائمتها . وكذا الباطنة ، كالنقدين إذا طلبوها ، وإن كانوا جائرين في بعض أحكامهم ، كما قال الفقهاء ” . انتهى . استحباب اعطاء الصدقة للصالحين الزكاة تعطى للمسلم ، إذا كان من أهل السهام ، وذوي الاستحقاق ، سواء أكان صالحا أم فاسقا ( 1 ) إلا إذا علم أنه سيستعين بها على ارتكاب ما حرم الله ، فإنه يمنع منها ، سدا للذريعة ، فإذا لم يعلم عنه شئ ، أو علم أنه سينتفع بها ، فإنه يعطى منها . وينبغي أن يخص المزكي بزكاته أهل الصلاح والعلم ، وأرباب المروءات ، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” مثل المؤمن ، ومثل الايمان ، كمثل الفرس في آخيته ( 2 ) يجول ، ثم يرجع إلى
( 1 ) الفاسق : هو المرتكب للكبيرة ، أو المصر على الصغيرة . ( 2 ) ” الاخية ” عروة أو عود يغرز في الحائط لربط الدواب ، يعني العبد يبعد يترك أعمال الايمان ثم يعود إلى الايمان الثابت نادما على تركه متداركا ما فاته ، كالفرس يبعد عن آخيته ثم يعود إليها . ( . ) / صفحة 405 /
آخيته . وإن المؤمن يسهو ثم يرجع إلى الايمان . فأطعموا اطعامكم الاتقياء ، وأولوا معروفكم المؤمنين ” رواه أحمد ، بسند جيد ، وحسنه السيوطي . وقال ابن تيمية : فمن لا يصلي من أهل الحاجات ، لا يعطى شيئا حتى يتوب ، ويلتزم أداء الصلاة . وهذا حق ، فإن ترك الصلاة إثم كبير ، لا يصح أن يعان مقترفه ، حتى يحدث لله توبة . ويلحق بتارك الصلاة ، العابثون ، والمستهترون الذين لا يتورعون عن منكر ، ولا ينتهون عن غي ، والذين فسدت ضمائر هم ، وانطمست فطرهم ، وتعطلت حاسة الخير فيهم . فهؤلاء لا يعطون من الزكاة إلا إذا كان العطاء يوجههم الوجهة الصالحة ويعينهم على صلاح أنفسهم ، بإيقاظ باعث الخير ، واستثارة عاطفة التدين . نهي المزكي أن يشتري صدقته نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المزكي ان يشتري زكاته حتى لا يرجع فيما تركه لله عزوجل ، كما نهى المهاجرين عن العودة إلى مكة ، بعد أن فارقوها مهاجرين . فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : ” أن عمر رضى الله عنه حمل ( 1 ) على فرس في سبيل الله ، فوجده يباع ، فأراد أن يبتاعه ( 2 ) ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : ” لا تبتعه ، ولا تعد في صدقتك ” رواه الشيخان ، وأبو داود ، والنسائي . قال النووي : هذا نهي تنزيه ، لا تحريك فيكره لمن تصدق بشئ أو أحوجه في زكاته ، أو فكفارة نذر ، ونحو ذلك من القربات أن يشتريه ممن دفعه هو إليه . أو يهبه ، أو يتملكه باختياره ، فأما إذا ورثه منه فلا كراهة فيه .
( 1 ) أي حمل عليه رجلا في سبيل الله . ومعناه أن عمر أعطاه الفرس وملكه إياه ، ولذلك صح له بيعه . ( 2 ) يبتاعه : أي يشتريه
وقال ابن بطال : كره أكثر العلماء شراء الرجل صدقته لحديث عمر هذا . وقال ابن المنذر : رخص في شراء الصدقة الحسن ، وعكرمة وربيعة ، والاوزاعي . ورجع هذا الرأي ابن حزم ، واستدل بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا تحل الصدقة لغني ، إلا لخمسة : لغاز في سبيل الله ، أو لعامل عليها ، أو لغارم ، أو لرجل اشتراها بماله ، أو لرجل كان له جار مسكين ، فتصدق على المسكين ، فأهداها المسكين للغني ” . استحباب اعطاء الزكاة للزوج والاقارب إذا كان للزوجة مال ، تجب فيه الزكاة ، فلها أن تعطي لزوجها المستحق من زكاتها ، إذا كان من أهل الاستحقاق ، لانه لا يجب عليه الانفاق عليه . وثوابها في إعطائه أفضل من ثوابها إذا أعطت الاجنبي . فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن زينب امرأة ابن مسعود قالت : يا نبي الله ، إنك أمرت اليوم بالصدقة وكان عندي حلى ، فأردت أن أتصدق به ، فزعم ابن مسعود أنه وولده ، أحق من تصدقت به عليهم ، فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم ” صدق ابن مسعود ، زوجك ، وولدك أحق من تصدقت به عليهم ” رواه البخاري . وهذا مذهب الشافعي ، وابن المنذر ، وأبي يوسف ، ومحمد ، وأهل الظاهر ، ورواية عن أحمد . وذهب أبو حنيفة ، وغيره : إلى أنه لا يجوز لها أن تدفع له من زكاتها ، وقالوا : إن حديث زينب ورد في صدقة التطوع ، لا الفرض . وقال مالك إن كان يستعين بما يأخذه منها على نفقتها فلا يجوز . وإن كان يصرفه في غير نفقتها جاز . وأما سائر الاقارب كالاخوة ، والاخوات ، والاعمام والاخوال ، والعمات . والخالات ، فإنه يجوز دفع الزكاة إليهم ، إذا كانوا مستحقين ، في قول أكثر أهل العلم . لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ” الصدقة على المسكين صدقة ( 1 ) ، وعلى ذي القرابة اثنتان : صلة ، وصدقة ( 2 ) ” رواه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه . اعطاء طلبة العلم من الزكاة دون العباد قال النووي : ولو قدر على كسب يليق بحاله ، إلا أنه مشتغل بتحصيل بعض العلوم الشرعية ، بحيث لو أقبل على الكسب لانقطع عن التحصيل ، حلت له الزكاة ، لان تحصيل العلم فرض كفاية . وأما من لا يتأتى منه التحصيل فلا تحل له الزكاة إذا قدر على الكسب ، وإن كان مقيما بالمدرسة هذا الذى ذكرناه هو الصحيح المشهور . قال : ” وأما من أقبل على نوافل العبادات – والكسب يمنعه منها ، أو من استغراق الوقت بها – فلا تحل له الزكاة بالاتفاق ، لان مصلحة عبادته قاصرة عليه ، بخلاف المشتغل بالعلم ” . اسقاط الدين عن الزكاة قال النووي في المجموع : ” لو كان على رجل معسر دين ، فأراد أن يجعله عن زكاته وقال له : جعلته عن زكاتي فوجهان : أصحهما ، لا يجزئه ، وهو مذهب أحمد ، وأبي حنيفة ، لان الزكاة في ذمته ، فلا يبرأ إلا بإقباضها . والثاني : يجزئه ، وهو مذهب الحسن البصري . وعطاء ، لانه لو دفعه إليه ، ثم أخذه منه جاز ، فكذا إذا لم يقبضه . كما لو كانت له دراهم وديعة ، ودفعها عن الزكاة ، فإنه يجزئه ، سواء قبضها ، أم لا .
) ( 1 ) أي فيها أجر الصدقة . ( 2 ) أي فيها أجران ، أجر صلة الرحم ، وأجر الصدقة .
أما إذا دفع الزكاة ، بشرط أن يردها إليه عن دينه فلا يصح الدفع ، ولا تسقط الزكاة بالاتفاق . ولا يصح قضاء الدين بذلك بالاتفاق ، ولو نويا ذلك ، ولم يشترطاه ، جاز بالاتفاق ، وأجزأه عن الزكاة ، وإذا رده إليه عن الدين ، برئ . نقل الزكاة أجمع الفقهاء على جواز نقل الزكاة إلى من يستحقها ، من بلد إلى أخرى إذا استغنى أهل بلد المزكي عنها . أما إذا لم يستغن قوم المزكي عنها ، فقد جاءت الاحاديث مصرحة بأن زكاة كل بلد تصرف في فقراء أهله ، ولا تنقل إلى بلد آخر ، لان المقصود من الزكاة ، إغناء الفقراء من كل بلد ، فإذا أبيح نقلها من بلد – مع وجود فقراء بها – أفضى إلى بقاء فقراء ذلك البلد محتاجين . ففي حديث معاذ المتقدم ” أخبرهم ” : أن عليهم صدقد تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم ” . وعن أبي جحيفة قال : قدم علينا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الصدقة من أغنيائنا فجعلها في فقرائنا ، فكنت غلامايتيما ، فأعطاني قلوصا . رواه الترمذي وحسنه . وعن عمران بن حصين : أنه أستعمل على الصدقة ، فلما رجع قيل له : أين المال ؟ قال : وللمال أرسلتني ؟ أخذناه من حيث كنا نأخذه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووضعناه حيث كنا نضعه . رواه أبو داود ، وابن ماجه . وعن طاوس قال : كان في كتاب معاذ : من خرج من مخلاف إلى إلى مخلاف ، فإن صدقته وعشره في مخلاف عشيرته . رواه الاثرم في سننه . وقد استدل الفقهاء بهذه الاحاديث : على أنه يشرع صرف زكاة كل بلد في فقراء أهله ، واختلفوا في نقلها من بلدة إلى بلدة أخرى ، بعد إجماعهم على أنه يجوز نقلها إلى إلى من يستحقها إذا استغنى أهل بلده عنها ، كما تقدم . فقال الاحناف : يكره نقلها ، إلا أن ينقلها إلى قرابة محتاجين لما في ذلك من صلة الرحم ، أو جماعة هم أمس حاجة من أهل بلده ، أو كان نقلها أصلح للمسلمين ، أو من دار الحرب إلى دار الاسلام ، أو إلى طالب علم ، أو كانت الزكاة معجلة قبل تمام الحول ، فإنه في هذه الصور جميعها ، لا يكره النقل . وقالت الشافعية : لا يجوز نقل الزكاة ، ويجب صرفها في بلد المال ، إلا إذا فقد من يستحق الزكاة ، في الموضع الذي وجبت فيه . فعن عمرو بن شعيب : أن معاذ بن جبل لم يزل بالجند – إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم – حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدم على عمر ، فرده على ما كان عليه ، فبعث إليه بثلث صدقة الناس ، فأنكر ذلك عمر ، وقال : لم أبعثك جابيا ولا آخذ جزية ، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس ، فترد على فقرائهم ، فقال معاذ : ما بعثت اليك بشئ وأنا أجد أحدا يأخذه مني . فلما كان العام الثاني بعث إليه بشطر الصدقة ، فتراجعا بمثل ذلك ، فلما كان العام الثالث بعث إليه بها كلها ، فراجعه عمر بمثل ما راجعه ، فقال معاذ : ما وجدت أحدا يأخذ مني شيئا . رواه أبو عبيد . وقال مالك : لا يجوز نقل الزكاة ، إلا أن يقع بأهل بلد حاجة ، فينقلها الامام إليهم ، على سبيل النظر والاجتهاد . وقالت الحنابلة : لا يجوز نقل الصدقة من بلدها إلى مسافة القصر . ويجب صرفها في موضع الوجوب أو قربه ، إلى ما دون مسافة القصر . قال أبوداود : سمعت أحمد ، سئل عن الزكاة يبعث بها من بلد إلى بلد ؟ قال : لا . قيل : وإن كان قرابته بها ؟ قال : لا . فإن استغنى عنها فقراء أهل بلدها جاز نقلها ، واستدلوا بحديث أبي عبيد المتقدم . قال ابن قدامة : فإن خالف ونقلها أجزأته ، في قول أكثر أهل العلم . فإن كان الرجل في بلد ، وماله في بلد آخر ، فالمعتبر ببلد المال ، لانه سبب الوجوب ويمتد إليه نظر المستحقين . فإن كان بعضه حيث هو ، وبعضه في بلاد أخرى ، أدى زكاة كل مال ، حيث هو . هذا في زكاة المال ، أما زكاة الفطر ، فإنها تفرق في البلد الذي وجبت عليه فيه ، سواء كان ماله فيه ، أم لم يكن لان الزكاة تتعلق بعينه – وهو سبب الوجوب – لا المال . الخطا في مصرف الزكاة : تقدم الكلام على من تحل لهم الصدقة ، ومن تحرم عليهم . ثم إنه لو أخطأ المزكي ، وأعطى من تحرم عليه ، وترك من تحل له دون علمه ، ثم تبين له خطؤه ، فهل يجزئه ذلك ، وتسقط عنه الزكاة ، أم أن الزكاة لا تزال دينا في ذمته ، حتى يضعها موضعها ؟ اختلفت أنظار الفقهاء في هذه المسألة : فقال أبو حنيفة ، ومحمد ، والحسن ، وأبو عبيدة : يجزئه ما دفعه ولا يطالب بدفع زكاة أخرى . فعن معن بن يزيد قال : كان أبي أخرج دنانير ، يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد ، فجئت فأخذتها فأتيته بها ، فقال : والله ما إياك أردت . فخاصمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ” لك ما نويت يا يزيد ، ولك ما أخذت يا معن ” . رواه أحمد ، والبخاري . والحديث ، وإن كان فيه احتمال كون الصدقة نفلا ، إلا أن لفظ : ” ما ” في قوله : ” لك ما نويت ” يفيد العموم . ولهم أيضا في الاحتجاج حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال : ” قال رجل ( 1 ) : لاتصدقن الليلة بصدقة ، فخرج بصدقته ، فوضعها في يد سارق ( 2 ) فأصبحوا يتحدثون : تصدق الليلة على سارق فقال : اللهم
لك الحمد ( 3 ) لا تصدقن بصدقة . فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية ، فأصبحوا يتحدثون : تصدق الليلة على زانية ، فقال : اللهم لك الحمد على زانية ، لاتصدقن بصدقة ، فخرج بصدقته ، فوضعها في يد غني . فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على غني فقال . اللهم لك الحمد على زانية ، وعلى سارق ، وعلى
( 1 ) من بني إسرائيل . ( 2 ) وهو لا يعلم . ( 3 ) حمد الله على تلك الحال ، لانه لا يحمد على مكروه سواه .
غني ، فأتي ( 1 ) فقيل له : أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته . وأما الزانية ، فلعلها أن تستعف به عن زناها . وأما الغني ، فلعله أن يعتبر ، فينفق مما آتاه الله عزوجل ” . رواه أحمد ، والبخاري ، ومسلم . ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي سأله الصدقة : ” إن كنت من تلك الاجزاء أعطيتك حقك ” وأعطى الرجلين الجلدين ، وقال : ” إن شئتما أعطيتكما منها ، ولاحظ فيها لغني ، ولا لقوي مكتسب ” . قال في المغني ، ولو اعتبر حقيقة الغني ، لما اكتفى بقولهم . وذهب مالك ، والشافعي ، وأبو يوسف ، والثوري ، وابن المنذر : إلى أنه لا يجزئه دفع الزكاة ، إلى من لا يستحقها ، إذا تبين له خطؤه وأن عليه أن يدفعها مرة أخرى إلى أهلها ، لانه دفع الواجب إلى من لا يستحقه فلم يخرج من عهدته ، كديون الآدميين . ومذهب أحمد : إذا أعطى الزكاة من يظنه فقيرا ، فبان غنيا ، ففيه روايتان : رواية بالاجزاء ، ورواية بعدمه . فأما إن بان الآخذ عبدا ، أو كافرا ، أو هاشميا ، أو ذا قرابة للمعطي ، ممن لا يجوز الدفع إليه لم يجزئه الدفع إليه ، رواية واحدة ، لانه يتعذر معرفة الفقير من الغني دون غيره ” يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ” . اظهار الصدقة يجوز للمتصدق أن يظهر صدقته ، سواء أكانت الصدقة صدقة فرض ، أم نافلة ، دون أن يرائي بصدقته ، وإخفاؤها أفضل . قال الله تعالى : ” إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ” . وعند أحمد ، والشيخين ، عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” سبعة يظلهم الله في ظله وم لاظل إلا ظله : الامام العادل ، وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله عزوجل ، اجتمعا عليه ، وتفرقا عليه ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها ،
( 1 ) ” فأتى ” أي رأى في منامه .
حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه . ورجل دعته امرأة ذات منصب ، وجمال ، إلى نفسها ، فقال : إني أخاف الله عزوجل .
زكاة الفطر
زكاة الفطر : أي الزكاة التي تجب بالفطر من رمضان . وهي واجبة على كل فرد من المسلمين ، صغير أو كبير ، ذكر أو أنثى ، حر أو عبد . روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، على العبد ، والحر ، والذكر ، والانثى ، والصغير ، والكبير . من المسلمين .
حكمتها : شرعت زكاة الفطر في شعبان ، من السنة الثانية من الهجرة لتكون طهرة للصائم ، مما عسى أن يكون وقع فيه ، من اللغو ، والرفث ، ولتكون عونا للفقراء ، والمعوزين . روى أبو داود ، وابن ماجه ، والدارقطني ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : ” فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة ( 1 ) للصائم ، من اللغو ( 2 ) والرفث ( 3 ) وطعمة ( 4 ) للمساكين ، من أداها قبل الصلاة ، فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة ، فهي صدقة من الصدقات ” . على من تجب ؟ : تجب على الحر المسلم ، المالك لمقدار صاع ، يزيد عن قوته وقوت عياله ، يوما ( 5 ) وليلة .
( 1 ) ” طهرة ” تطهيرا . ( 2 ) ” اللغو ” هوما لا فائدة فيه من القول أو الفعل . ( 3 ) ” الرفث ” فاحش الكلام . ( 4 ) ” طعمة ” طعام . ( 5 ) هذا مذهب مالك والشافعي وأحمد ، قال الشوكاني : وهذا هو الحق . وعند الاحناف لابد من ملك النصاب .
وتجب عليه ، عن نفسه ، وعمن تلزمه نفقته ، كزوجته ، وأبنائه ، وخدمه الذين يتولى أمورهم ، ويقوم بالانفاق عليهم .
قدرها : الواجب في صدقة الفطر صاع ( 1 ) من القمح ، أو الشعير ، التمر ، أو الزبيب ، أو الاقط ( 2 ) ، أو الارز ، أو الذرة أو نحو ذلك مما يعتبر قوتا . وجوز أبو حنيفة إخراج القيمة . وقال : إذا أخرج المزكي من القمح ، فإنه يجزئ نصف صاع . قال أبو سعيد الخدري : ” كنا ، إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نخرج زكاة الفطر عن كل صغير ، وكبير ، حر ، ومملوك ، صاعا من من طعام ، أو صاعا من أقط ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من زبيب ، فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية حاجا ، أو معتمرا ، فكلم الناس على المنبر ، فكان فيما كلم به الناس ، أن قال : إني أرى أن مدين ( 3 ) من سمراء ( 4 ) الشام ، تعدل صاعا من تمر ، فأخذ الناس بذلك . قال أبو سعيد : فأما أنا ، فلا أزال أخرجه أبدا ما عشت ” رواه الجماعة . قال الترمذي : والعمل على هذا عند بعض أهل العلم يرون من كل شئ صاعا ، وهو قول الشافعي ، وإسحاق . وقال بعض أهل العلم : من كل شئ صاع إلا البر فإنه يجزئ نصف صاع وهو قول سفيان ، وابن المبارك ، وأهل الكوفة .
متى تجب ؟ : اتفق الفقهاء على أنها تجب في آخر رمضان ، واختلفوا في تحديد الوقت ، الذي تجب فيه .
( 1 ) الصاع أربعة أمداد . والمد حفنة بكفي الرجل المعتدل الكفين ويساوي قدحا وثلث قدح أو قدحين . ( 2 ) ” الاقط ” لبن مجفف لم تنزع زبدته . ( 3 ) المدان : نصف صاع . ( 4 ) ” سمراء ” أي قمح .
فقال الثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، والشافعي في الجديد ، وإحدى الروايتين عن مالك : إن وقت وجوبها ، غروب الشمس ، ليلة الفطر ، لانه وقت الفطر من رمضان . وقال أبو حنيفة ، والليث ، والشافعي ، في القديم ، والرواية الثانية عن مالك : إن وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم العيد . وفائدة هذا الاختلاف ، في المولود يولد قبل الفجر ، من يوم العيد ، وبعد مغيب الشمس ، هل تجب عليه أم لا تجب ؟ فعلى القول الاول لا تجب ، لانه ولد بعد وقت الوجوب ، وعلى الثاني : تجب ، لانه ولد قبل وقت الوجوب . تعجيلها عن وقت الوجوب : جمهور الفقهاء على أنه يجوز تعجيل صدقة الفطر قبل العيد بيوم ، أو بيومين . قال ابن عمر رضي الله عنهما : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر ، أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة . قال نافع : وكان ابن عمر يؤديها ، قبل ذلك ، باليوم ، أو اليومين . واختلفوا فيما زاد على ذلك . فعند أبي حنيفة : يجوز تقديمها على شهر رمضان . وقال الشافعي : يجوز التقديم من أول الشهر . وقال مالك ومشهور مذهب أحمد : يجوز تقديمها يوما أو يومين . واتفقت الائمة على أن زكاة الفطر لا تسقط بالتأخير بعد الوجوب ، بل تصير دينا في ذمة من لزمته ، حتى تؤدى ، ولو في آخر العمر . واتفقوا : على أنه لا يجوز نأخيرها عن يوم العيد ( 1 ) إلا ما نقل عن ابن سيرين ، والنخعي ، أنهما قالا : يجوز تأخيرها عن يوم العيد ،
( 1 ) وجزموا بأنها تجزئ إلى آخر يوم الفطر .
وقال أحمد : أرجو أن لا يكون به بأس . وقال ابن رسلان : إنه حرام بالاتفاق ، لانها زكاة ، فوجب أن يكون في تأخيرها إثم ، كما في إخراج الصلاة عن وقتها . وقد تقدم في الحديث : ” من أداها قبل الصلاة ، فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة ، فهي صدقة من الصدقات ( 1 )
” مصرفها : مصرف الزكاة ، أي أنها توزع على الاصناف الثمانية المذكورة في آية : ” إنما الصدقات للفقراء ” . والفقراء هم أولى الاصناف بها ، لما تقدم في الحديث : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر ، طهرة للصائم ، من اللغو والرفث ، وطعمة للمساكين . ولما رواه البيهقي ، والدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر وقال : ” أغنوهم في هذا اليوم ” وفي رواية للبيهقي : ” أغنوهم عن طواف هذا اليوم ” . وتقدم الكلام على المكان الذي تؤدى فيه ، عند الكلام على نقل الزكاة . إعطاؤها للذمي : أجاز الزهري ، وأبو حنيفة ، ومحمد ، وابن شبرمة ، إعطاء الذمي من زكاة الفطر لقول الله تعال : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) . هل في المال حق سوى الزكاة ؟ ينظر الاسلام إلى المال نظرة واقعية ، فهو في نظرة عصب الحياة ، وقوام نظام الافراد والجماعات . قال الله تعالى : ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما )
( 1 ) أي التي يتصدق بها في سائر الاوقات .
وهذا يقتضي أن يوزع توزيعا يكفل لكل فرد كفايته من الغذاء ، والكساء ، والمسكن ، وسائر الحاجات الاصلية ، التي لاغنى عنها ، حتى لا يبقى فرد مضيع ، لاقوام له . وأمثل وسيلة ، وأفضلها لتوزيع المال ، وللحصول على الكفاية ، وسيلة الزكاة ، فهي في الوقت الذي لا يضيق بها الغني ، ترفع مستوى الفقير إلى حد الكفاية ، وتجنبه شظف العيش ، وألم الحرمان . والزكاة ليست منة يهبها الغني للفقير ، وإنما هي حق استودعه الله يد الغني ، ليؤديه لاهله ، وليوزعه على مستحقيه ومن ثم تتقرر هذه الحقيقة الكبرى وهي : أن المال ليس وقفا على الاغنياء دون غيرهم ، وإنما المال للجميع : أي للاغنياء ، والفقراء ، على السواء يوضح هذا قول الله تعالى – في حكمه تقسيم الفئ ( كى لا يكون دولة بين الاغنياء منكم ) أي هذا التقسيم ، لئلا يكون المال متداولابين الاغنياء ،
بل يجب توزيعه على الاغنياء والفقراء . والزكاة ، هي الحق الواجب في المال ، متى قامت بحاجة الفقراء وسدت خلة المعوزين ، وكفت البائسين ، وأطعمتهم من جوع وأمنتهم من خوف . فإذا لم تكف الزكاة ، ولم تف بحاجة المحتاجين ، وجب في المال حق آخر سوى الزكاة وهذا الحق لا يتقيد ولا يتحدد إلا بالكفاية ، فيؤخذ من مال الاغنياء القدر الذي يقوم بكفاية الفقراء . قال القرطبي : قوله تعالى : ” وآتى المال على حبه ” استدل به من قال : إن في المال حقا ، سوى الزكاة ، وبها كمال البر ، وقيل : المراد الزكاة المفروضة ، والاول أصح . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن في المال حقا سوى الزكاة ” تم تلا هذه الآية ” ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ” إلى آخرها . وأخرجه ابن ماجه ، في سننه ، والترمذي في جامعه ، وقال : هذا حديثليس إسناده بذاك ، وأبو حمزة ، ميمون الاعور ، يضعف . وروى بيان ، وإسماعيل بن سالم هذا الحديث ، عن الشعبي من قوله ، وهو أصح . قلت : والحديث ، وإن كان فيه مقال ، فقد دل على صحته معنى ما في هذه الآية نفسها ، من قوله تعالى : ( وأقام الصلاة وآتى الزكاة ) مع الصلاة ، وذلك دليل . على أن المراد بقوله : ( وآتى المال على حبه ) ليس الزكاة المفروضة فإن ذلك يكون تكرارا ، والله أعلم . واتفق العلماء على أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة ، بعد أداء الزكاة ، فإنه يجب صرف المال إليها . قال مالك رحمه الله : يجب على الناس فداء اسراهم ، وإن استغرق ذلك أموالهم ، وهذا إجمال أيضا ، وهو يقوي ما اخترناه ، وبالله التوفيق . وفي تفسير المنار ، في قوله تعالى : ” وآتى المال على حبه ” قال : أي وأعطى المال لاجل حبه تعالى ، أو على حبه إياه أي المال . قال الاستاذ الامام ( 1 ) : ” وهذا الايتاء ، غير إيتاء الزكاة الآتي ، وهو ركن من أركان البر ، وواجب كالزكاة وذلك حيث تعرض الحاجة إلى البذل ، في غير وقت أداء الزكاة ، بأن يرى الواجد مضطرا ، بعد أداء الزكاة ، أو قبل تمام الحول . وهو لا يشترط فيه نصاب معين ، بل هو على حسب الاستطاعة . فإذا كان لا يملك إلا رغيفا ، ورأى مضطرا إليه ، في حال استغنائه عنه ، بأن لم يكن محتاجا إليه لنفسه ، أو لمن تجب عليه نفقته ، وجب عليه بذله . وليس المضطر وحده ، هو الذي له الحق في ذلك ، بل أمر الله تعالى المؤمن أن يعطي من غير الزكاة ” ذوي القربى ” وهم أحق الناس بالبر ، والصلة ، فإن الانسان إذا احتاج – وفي أقاربه غني – فإن نفسه تتوجه إليه بعاطفة الرحم . ومن المغروز في الفطرة أن الانسان يألم لفاقة ذوي رحمه وعدمهم ،
( 1 ) الشيخ محمد عبده .
أشد مما يألم لفاقة غيرهم ، فإنه يهون بهوانهم ، ويعتز بعزتهم ، فمن قطع الرحم ورضي بأن ينعم وذو وقرباه بائسون ، فهو برئ من الفطرة والدين ، وبعيد من الخير والبر ، ومن كان أقرب رحما ، كان حقه آكد ، وصلته أفضل . ” واليتامى ” فإنه لموت كافلهم تتعلق كفايتهم بأهل الوجد واليسار من المسلمين ، كيلا تسوء حالهم ، وتفسد تربيتهم ، فيكونوا مصابا على أنفسهم وعلى الناس . ” والمساكين ” فإنهم لما قعد بهم العجز عن كسب ما يكفيهم ، وسكنت نفوسهم للرضا بالقليل عن مد كف الذليل وجبت مساعدتهم ، ومواساتهم على المستطيع . ” وابن السبيل ” المنقطع في السفر ، لا يتصل بأهل ولا قرابة كأن السبيل أبوه ، وأمه ، ورحمه ، وأهله . وهذا التعبير بمكان من اللطف ، لا يرتقي إليه سواه . وفي الامر بمواساته ، وإعانته في سفره ، ترغيب من الشرع في السياحة ، والضرب في الارض . ” والسائلين ” الذين تدفعهم الحاجة العارضة ، إلى تكفف الناس . وأخرهم لانهم يسألون ، فيعطيهم هذا ، وهذا . وقد يسأل الانسان لمواساة غيره – والسؤل محرم شرعا ، إلا لضرورة ، يجب على السائل أن لا يتعداها . ” وفي الرقاب ” أي في تحريرها ، وعتقها ، وهو يشمل ابتياع الارقاء ، وعتقهم وإعانة المكاتبين على أداء نجومهم ( 1 ) ومساعدة الاسرى على الافتداء . وفي جعل هذا النوع من البذل ، حقا واجبا في أموال المسلمين ، دليل على رغبة الشريعة في فك الرقاب ، واعتبارها أن الانسان خلق ليكون حرا ، إلا في أحوال عارضة ، تقضي المصلحة العامة فيها ، أن يكون الاسير رقيقا ، وأخر هذا عن كل ما سبقه ، لان الحاجة في تلك الاصناف ، قد تكون لحفظ الحياة ، وحاجة الرقيق الى الحرية حاجة إلى الكمال . ومشروعية البذل لهذه الاصناف ، من غير مال الزكاة ، لا تتقيد بزمن .
( 1 ) ” بحومهم ” أي الاقساط
ولا بامتلاك نصاب محدود ، ولايكون المبذول مقدارا معينا بالنسبة الى ما يملك ، ككونه عشرا ، أو ربع عشر ، أو عشر العشر مثلا ، وإنما هو أمر مطلق بالاحسان موكول إلى أريحية المعطي وحالة المعطى . ووقاية الانسان المحترم من الهلاك ، والتلف ، واجبة على من قدر عليها ، وما زاد على ذلك ، فلا تقدير له . وقد أغفل الناس أكثر هذه الحقوق العامة ، التي حث عليها الكتاب العزيز لما فيها من الحياة الاشتراكية المعتدلة الشريفة فلا يكادون يبذلون شيئا لهؤلاء المحتاجين إلا القليل النادر لبعض السائلين ، وهم في هذا الزمان أقل الناس استحقاقا ، لانهم اتخذوا السؤال حرفة ، وأكثرهم واجدون . انتهى . وقال ابن حزم : وفرض على الاغنياء من أهل كل بلد ، أن يقوموا بفقرائهم ، ويجبرهم السلطان على ذلك ، إن لم تقم الزكوات بهم ، ولا في سائر أموال المسلمين بهم ، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لابد منه ، ومن اللباس للشتاء والصيف ، والشمس ، وعيون المارة . برهان ذلك : قول الله تعالى : ” وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ” وقال تعالى : ” وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب ( 1 ) ، والصاحب بالجنب ( 2 ) ، وابن السبيل ، وما ملكت أيمانكم ” . فأوجب تعالى حق المسكين ، وابن السبيل ، وما ملكت اليمين من حق ذي القربى ، وافترض الاحسان إلى الابوين ، وذي القربى والمساكين ، والجار وما ملكت اليمين ، والاحسان يقتضي كل ما ذكرنا ، ومنعه إساءة بلا شك . وقال تعالى : ( ما سلككم في سقر ؟ قالوا : لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين ) . فقرن الله تعالى إطعام المسكين بوجوب الصلاة . وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم – من طرق كثيرة ، في غاية الصحة أنه قال : ” من لا يرحم الناس لا يرحمه الله ” .
( 1 ) ” الجار الجنب ” أي الجار البعيد . ( 2 ) ” الصاحب بالجنب ” أي الزوجة . ( . ) / صفحة 420 /
ومن كان على فضلة ( 1 ) ورأى المسلم أخاه جائعا عريان ضائعا فلم يغثه . فما رحمه بلاشك . وعن عثمان النهدي : أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق حدثه : ” أن أصحاب الصفة ، كانوا ناسا فقراء ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث ، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس ” . وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ” . ومن تركه يجوع ، ويعرى – وهو قادر على إطعامه وكسوته – فقد أسلمه . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” من كان معه فضل ظهر ، فليعد به على من لا ظهر له ، ومن كان له فضل من زاد ، فليعد به على من زاد له . قال : فذكر من أصناف المال ما ذكر ، حتى رأينا أنه لاحق لاحد منا في فضل ” . وهذا إجماع الصحابة رضي الله عنهم يخبر بذلك أبو سعيد الخدري رضي رضي الله عنه ، وبكل ما في هذا الخبر نقول : ومن طريق أبي موسى الاشعري رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” أطعموا الجائع ، وعودوا المريض ، وفكوا العاني ( 2 ) ” . والنصوص من القرآن ، والاحاديث الصحاح في هذا كثيرة جدا . وقال عمر رضي الله عنه : ” لو استقبلت من أمري ما استدبرت لاخذت فضول أموال الاغنياء ، فقسمتها على فقراء المهاجرين ” وهذا إسناد في غاية الصحة ، والجلالة . وقال علي رضي الله عنه : ” إن الله تعالى فرض على الاغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم ، فإن جاعوا ، أو عروا ، وجهدوا فبمنع الاغيناء ، وحق على الله تعالى أن يحاسبهم
( 1 ) ” فضلة ” أي زيادة عن الحاجة . ( 2 ) ” العاني ” أي الاسير . ( . ) / صفحة 421 /
يوم القيامة ، ويعذبهم عليه ( 1 ) ” . وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أنه قال : ” في مالك حق سوى الزكاة ” . وعن عائشة أم المؤمنين ، والحسن بن علي ، وابن عمر رضي الله عنهم ، أنهم قالوا كلهم لمن سألهم : ” إن كنت تسأل في دم موجع ، أو غرم مفظع ، أو فقر مدقع ، فقد وجب حقك ” . وصح عن أبي عبيدة بن الجراح وثلثمائة من الصحابة رضي الله عنهم أن زادهم فني ، فأمرهم أبو عبيدة . فجمعوا أزوادهم في مزودين ، وجعل يقوتهم إياها على السواء . فهذا إجماع مقطوع به من الصحابة رضي الله عنهم ، ولا مخالف لهم منهم . وصح عن الشعبي ، ومجاهد ، وطاوس ، وغيرهم ، كلهم يقول : في المال حق ، سوى الزكاة . ثم قال : ولا يحل لمسلم اضطر أن يأكل ميتة ، أو لحم خنزير وهو يجد طعاما ، فيه فضل عن صاحبه لمسلم ، أو لذمي ، لانه يجب فرضا على صاحب الطعام إطعام الجائع . فإذا كان ذلك كذلك فليس بمضطر إلى الميتة ، ولا إلى لحم الخنزير ، وله أن يقاتل على ذلك ، فإن قتل ، فعلى قاتله القود ( 2 ) ، وإن قتل المانع فإلى لعنة الله ، لانه منع حقا ، وهو من الطائفة الباغية ، قال تعالى : ” فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله ” . ومانع الحق باغ على أخيه ، الذي له الحق . وبهذا قاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، مانع الزكاة . وبالله تعالى التوفيق . انتهى وإنما سردنا هذه النصوص ، وأكثرنا القول في هذه المسألة لنبين مدى ما في الاسلام من رحمة ، وحنان ، وأنه سبق المذاهب الحديثة سبقا بعيدا ، وأنها في جانبه كالشمعة المضطربة أمام الضوء الباهر ، والشمس الهادية .
( 1 ) تقدم الحديث في أول الكتاب مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم . ( 2 ) ” فعلى قاتله القود ” أي يقتل به .
صدقة التطوع دعا الاسلام إلى البذل ، وحض عليه في أسلوب يستهوي الافئدة ، ويبعث في النفس الاريحية ، ويثير فيها معاني الخير والبر ، والاحسان . 1 – قال الله تعالى : ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ) . 2 – وقال : ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شئ فإن الله به عليم ) . 3 – وقال ( وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير ) . 1 – وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن الصدقة تطفئ غضب الرب ، وتدفع ميتة السوء ” رواه الترمذي ، وحسنه . 2 – وروى كذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إن صدقة المسلم تزيد في العمر وتمنع ميتة السوء ( 1 ) ويذهب الله بها الكبر والفخر ” . 3 – وقال صلى الله عليه وسلم : ” ما من يوم يصبح العباد فيه ، إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا ، ويقول الاخر : الله أعط ممسكا تلفا ” رواه مسلم . 4 – وقال صلى الله عليه وسلم ” صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، والصدقة حفيا تطفئ غضب الرب ، وصلة الرحم تزيد في العمر ، وكل معروف صدقة ، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الاخرة ، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الاخرة ، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف ” رواه الطبراني في الاوسط ، وسكت عليه المنذري . أنواع الصدقات : وليست الصدقة قاصرة على نوع معين من أعمال البر بل القاعدة العامة ،
( 1 ) ” ميتة السوء ” أي سوء العاقبة .
أن كل معروف صدقة . وإليك بعض ما جاء في ذلك : 1 – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” على كل مسلم صدقة ” فقالوا : يا نبي الله فمن لم يجد ؟ قال : ” يعمل بيده فينفع نفسه ، ويتصدق ” . قالوا : فإن لم يجد ؟ قال : ” يعين ذا الحاجة الملهوف ( 1 ) ” . قالوا : فإن لم جيد ؟ قال : فليعمل بالمعروف وليمسك عن الشر ، فإنها ( 2 ) له صدقة ” رواه البخاري ، وغيره . 2 – وقال صلى الله عليه وسلم : ” كل نفس كتب عليها الصدقة كل يوم طلعت فيه الشمس ، فمن ذلك أن يعدل ( 3 ) بين الاثنين صدقة ، وأن يعين الرجل على دابته فيحمله عليها صدقة ، ويرفع متاعه عليها صدقة ، ويميط الذى عن الطريق صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة ، وكل خطوة يمشي إلى الصلاة صدقة ” رواه أحمد وغيره . 3 – وعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال ( 4 ) ، ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : ” على كل نفس في كل يوم طلعت فيه الشمس صدقة منه على نفسه ” . قلت : يا رسول الله من أين أتصدق ، وليس لنا أموال ؟ قال : ” لان من أبواب الصدقة : التكبير ، وسبحان الله والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، وأستغفر الله ، وتأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر ، وتعزل الشوك عن طريق الناس ، والعظم ، والحجر ، وتهدي الاعمى وتسمع الاصم والبكم ، حتى يفقه ، المستدل على حاجة له قد علمت مكانها ، وتسعى بشدة ساقيك إلى اللهفان المستغيث ، وترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف ، كل ذلك من أبواب الصدقة ، منك على نفسك ، ولك في جماع زوجتك أجر ” الحديث ، رواه أحمد واللفظ له ، ومعناه أيضا في مسلم . وعند مسلم قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ، ويكون له فيها أجر ؟ قال : ” أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ” .
( 1 ) ” الملهوف ” أي المستغيث سواء أكان مظلوما أم عاجزا . ( 2 ) أي إن هذه الخصلة . ( 3 ) ” يعدل ” أي يصلح بين متخاصمين بالعدل . ( 4 ) ما بين القوسين ليس في مسند الامام أحمد وإنما آثرنا إثباته هنا لان ما بعده إلى قوله ” على نفسه ” في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم . ( . ) / صفحة 424 /
3 – وعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” ليس من نفس ابن آدم عليها صدقة . في كل يوم طلعت فيه الشمس ” . قيل : يا رسول الله . من أين لنا صدقة نتصدق بها كل يوم ؟ فقال : ” إن أبواب الخير لكثيرة . التسبيح والتحميد ، والتكبير ، والتهليل ، والامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وتميط الاذى عن الطريق ، وتسمع الاصم ، وتهدي الاعمى ، وتدل المستدل على حاجاته ، وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث ، وتحمل بشدة ذراعيك مع الضعيف . فهذا كله صدقة منك على نفسك ” رواه ابن حبان في صحيحه ، والبيهقي مختصر اوزاد في رواية : ” وتبسمك في وجه أخيك صدقة وإماطتك الحجر ، والشوكة والعظم عن طريق الناس صدقة ، وهديك الرجل في أرض الضالة صدقة ” . 5 – وقال : ” من استطاع منكم أن يتقي النار فليتصدق ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة ” رواه أحمد ، ومسلم . 6 – وقال : ” إن الله عزوجل ، يقول يوم القيامة : يا ابن آدم : مرضت فلم تعدني ، قال : يا رب ، كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ قال أما علمت ، أن عبدى فلانا مرض فلم تعده ؟ . ” أما لوعدته لوجدتني عنده . يا ابن آدم : استطعمتك فلم تطعمني ، قال : يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين ، قال : أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه ، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي . يا ابن آدم : استسقيتك فلم تسقني . قال : يا رب كيف أسقيك وانت رب العالمين ؟ قال : استسقاك عبدي فلان فلم تسقه . أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي . ” رواه مسلم . 7 – وقال صلى الله عليه وسلم : ” لا يغرس مسلم غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شئ إلا كانت له صدقة ” رواه البخاري . 8 – وقال عليه الصلاة والسلام : ” كل معروف صدقة ، ومن المعروف
( 1 ) ” شق تمرة ” أي نصف تمرة ، وهذا يفيد أنه لا ينبغي أن يستقل الانسان الصدقة
أن تلقى أخاك بوجه طلق ، وان تفرغ من دلوك في إنائه ” رواه أحمد والترمذي وصححه . أولى الناس بالصدقة : أولى الناس بالصدقة أولاد المتصدق وأهله وأقاربه . ولا يجوز التصدق على أجنبي وهو محتاج إلى ما يتصدق به لنفقته ونفقة عياله . 1 – فعن جابر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إذا كان احدكم فقيرا فليبدأ بنفسه ، وإن كان فضل فعلى عياله ، وإن كان فضل فعلى ذوي قرابته ، أو قال : ذوي رحمه ، وان كان فضل فهاهنا وهاهنا ” رواه أحمد ومسلم . 2 – وقال صلى الله عليه وسلم : ” تصدقوا ” : قال رجل . عندي دينار . قال ” تصدق به على نفسك ” . قال : عندي دينار آخر . قال : تصدق به على زوجتك ” . قال : عندي دينار آخر . قال : ” تصدق به على ولدك ” . قال : عندي دينار آخر . قال : ” تصدق به على خادمتك ” . قال : عندي دينار آخر . قال : ” أنت به أبصر ” . رواه أبو داود والنسائي والحاكم ، وصححه . 3 – وقال عليه الصلاة والسلام : ” كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت ” . رواه مسلم وابو داود . 4 – وقال صلى الله عليه وسلم : ” أفضل الصدقة الصدقة على ذي الرحم الكاشح . ” رواه الطبراني ، والحاكم وصححه . إبطال الصدقة : لقول الله تعالى : ( يأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا ينظر إليهم ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم . ” قال أبو ذر رضى الله عنه :
( هامش ) ( 1 ) ” الكاشح ” أي الذي يضمر العداوة .
خابوا وخسروا ، من هم يا رسول الله ؟ قال : ” المسبل ( 1 ) والمنان ( 2 ) ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ” . التصدق بالحرام : لا يقبل الله الصدقة ، إذا كانت من حرام . 1 – قال رسول الله صلى عليه وسلم : ” أيها الناس ، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال عز وجل ، ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ) وقال ( يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر ، أشعث أغبر ، يمد يديه إلى السماء : يا رب ، يا رب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام فأنى يستجاب له ” رواه مسلم . 2 – وقال صلى الله عليه وسلم : ” من تصدق بعدل ( 3 ) تمرة ، من كسب طيب – ولا يقبل الله إلا الطيب – فإن الله تعالى يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل ” رواه البخاري . صدقة المرأة من مال زوجها : يجوز للمرأة تتصدق من بيت زوجها ، إذا علمت رصاه ، ويحرم عليها إذا لم تعلم . فعن عائشة قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها – غير مفسدة – كان لها أجرها بما أنفقت ، ولزوجها أجره بما كسب ، وللخازن مثل ذلك ، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا . ” رواه البخاري .
( 1 ) ” المسبل ” أي الذي يجر ثوبه خيلاء . ( 2 ) المن ذكر الصدقة والتحدث بها ، أو استخدام المتصدق عليه ، أو التكبر عليه لاجل إعطائه . والاذى إظهار الصدقة ، قصد إيلام المتصدق عليه ، أو توبيخه . ( 3 ) ” العدل ” بكسر العين ، معناه في اللغة : المثل . والمراد به هنا ما يساوي قيمة تمرة . ( . )
وعن أبي أمامة قال : سمعت رسول اله صلى الله عليه وسلم يقول – في خطبة عام حجة الوداع – ” لا تنفق المرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها ” قيل : يا رسول الله ، ولا الطعام ؟ قال : ” ذلك أفضل أموالنا ” رواه الترمذي ، وحسنه . ويستثنى من ذلك النزر اليسير ، الذي جرى به العرف فإنه يجوز لها أن تتصدق به ، دون أن تستأذنه . فعن أسماء بنت أبي بكر أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إن الزبير رجل شديد ، ويأتيني المسكين فأتصدق عليه من بيته ، بغير إذنه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ارضخي ( 1 ) ولا توعي ( 2 ) فيوعي الله عليك ” . رواه أحمد ، والبخاري ، ومسلم . جواز التصدق بكل المال : يجوز للقوي المكتسب أن يتصدق بجميع ماله ( 3 ) . قال عمر : ” أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ، فوافق ذلك مالا عندي ، فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن ( 4 ) سبقته يوما ، فجئت بنصف مالي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما أبقيت لاهلك ؟ ” فقلت : مثله . وأتى أبو بكر بكل ماله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما أبقيت لاهلك ؟ ” فقال : أبقيت لهم الله ورسوله . فقلت : لا أسابقك إلى شئ أبدا ” رواه أبو داود ، والترمذي ، وصححه . وقد اشترط العلماء لجواز التصدق بجميع المال أن يكون المتصدق قويا مكتسبا صابرا غير مدين ، ليس عنده من يجب الانفاق عليه ، فإذا لم تتوفر هذه الشروط ، فإنه حينئذ يكره . فعن جابر رضي الله عنه قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه .
( 1 ) ” ارضخي ” أي أعطي القليل ، الذي جرت به العادة . ( 2 ) ” لاتوعي ” أي لا تدخري المال في الوعاء فيمنعه الله عنك . ( 3 ) قال أبو جعفر الطبري : ومع جوازه فالمستحب ان لا يفعل وأن يقتصر على الثلث . ( 4 ) ” إن ” حرف نفي : أي ما سبقته .
وسلم . إذ جاء رجل بمثل بيضة من ذهب ، فقال يا رسول الله : أصبت هذه من معدن فخذها ، فهي صدقة ، ما أملك غيرها ، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أتاه من قبل ركنه الايمن فقال مثل ذلك ، فأعرض عنه ، ثم أتاه من قبل ركنه الايسر ( 1 ) فأعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتاه من خلفه ، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحذفه ( 2 ) بها ، فلو أصابته لاوجعته ، أو عقرته ( 3 ) الناس ، إنما الصدقة عن ظهر غنى ” رواه أبو داود ، والحاكم ، وقال : صحيح على شرط مسلم . وفيه محمد بن إسحق . جواز الصدقة على الذمي والحربي : تجوز الصدقة على الذمي والحربي ويثاب المسلم على ذلك ، وقد أثنى الله على قوم فقال : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) والاسير حربي . وقال تعالى : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) . وعن أسماء بنت أبي بكر قالت : قدمت علي أمي وهي مشركة ، فقلت : يا رسول الله ، إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها ؟ قال : ” نعم ، صلي أمك ” . الصدقة على الحيوان : 1 – روى البخاري ومسلم : أن رسول الله عليه وسلم قال : ” بينما رجل يمشى بطريق اشتد عليه العطش ، فوجد بئرا فنزل فيها ، فشرب ، ثم خرج ، فإذا كلب يلهث الثرى من العطش ، فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني ، فنزل البئر ، فملا خفه
( 1 ) ” ركنه ” أي جانبه . ( 2 ) ” فحذفه ” أي رماه بها . ( 3 ) ” عقرته ” أي جرحته . ( 4 ) ” يتكفف ” أي يمد كفه
ماء . ثم أمسكه بفيه حتى رقي ( 1 ) فسقى الكلب ، فشكر الله له ، فغفر له . ” قالوا : يا رسول الله ، إن لنا في البهائم أجرا ؟ فقال : ” في كل كبد رطبة أجر ” . 2 – ورويا : أنه صلى الله عليه وسلم قال : ” بينما كلب يطيف بركية قد كاد يقتله العطش ، إذ رأته بغي من بغايا بني اسرائيل فنزعت موقها ( 2 ) ، فاستقت له به ، فسقته فغفر لها به ” . الصدقة الجارية : روى أحمد ومسلم أن رسول الله صلى عليه وسلم قال : ” إذا مات الانسان انقطع عمله إلا من ثلاثة ، صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ” . شكر المعروف : 1 – روى أبو داود والنسائي بسند صحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” من استعاذ بالله فأعيذوه ، ومن سألكم بالله فأعطوه ومن استجار بالله فأجيروه ، ومن أتى إليكم معروفا فكافئوه ، فإن لم تجدوا ، فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه ” . 2 – وروى أحمد عن الاشعث بن قيس – بسند رواته ثقات – : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” لا يشكر الله من لا يشكر الناس ” . 3 – وروى الترمذي – وحسنه – عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” من صنع معه معروف ، فقال لفاعله : جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء ” .
( 1 ) ” رقي ” أي صعد . ( 2 ) ” الموق ” أي الخف .